×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

فَٱتۡلُوهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ [آل عمران: 93]. لأن هذا الذي ذكرناه موجود في التوراة، فأتوا بها ليتبين لكم أنكم كَذَبة. ولم يأتوا بالتوراة؛ لأنهم يعلمون أن التوراة ستفضحهم.

{إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ أن الله حرم هذه الأشياء تحريمًا سابقًا وقديمًا.

فلما علموا أن التوراة ستفضحهم إذا تليت أحجموا عن المجيء بها. وهذه عادتهم أنهم يُلبِّسون على الناس.

{فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ [آل عمران: 94]، أي: إن كانت التوراة لا تصدقكم بل تكذبكم، فقد افتريتم على الله الكذب، وادعيتم شيئًا ليس في التوراة التي هي كتابكم!! فاحتج عليهم بكتابهم الذي بين أيديهم.

وهكذا ينبغي أن يُحتَج على الفِرق الضالة بكتبها حتى تُفتضَح، فإذا أردت أن ترد على أهل ضلالة، فانظر في كتبهم من أجل أن ترد عليهم منها.

فلما لم يأتوا بالتوراة تبين أنهم كاذبون؛ ولهذا قال جل وعلا: {فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ [آل عمران: 94]. وهذا عامٌّ لكل من افترى على الله الكذب، وادعى أن الله حرم شيئًا أو أحل شيئًا من غير دليل، {وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُوَ يُدۡعَىٰٓ إِلَى ٱلۡإِسۡلَٰمِۚ [الصف: 7]، فلا أحد أظلم ممن يكذب على الله سبحانه وتعالى.

ولهذا قال: {فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ [آل عمران: 94]. حَصَر الظلم فيهم. والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه.

ثم قال جل وعلا: {قُلۡ [آل عمران: 95] قل أيها الرسول {صَدَقَ ٱللَّهُۗ [آل عمران: 95] صدق الله وكَذَّبهم، فإنه لم يحصل منه تحريم قبل تحريم يعقوب عليه السلام.


الشرح