ثم إن الله بوَّأ لإبراهيم
عليه السلام مكان البيت وأَمَره ببنائه. فإبراهيم عليه السلام أعاد بناء البيت
لعبادة الله وحده لا شريك له، فأول بيت وُضِع للعبادة في الأرض هو الكعبة المشرفة.
وفي
هذا رَدٌّ على النصارى واليهود الذين يقولون: إن أول بيت للعبادة هو بيت المقدس!!
وهذا يكذبه الله سبحانه، والواقع يكذبه؛ لأن بناية بيت المقدس متأخرة، فبين بنابة
البيت العتيق وبناية بيت المقدس أربعون سنة. فالبيت الأول هو الكعبة، وبناها
إبراهيم عليه السلام. وأما بيت المقدس فبناه مَن جاء بعد إبراهيم عليه السلام من
ذريته، قيل: إسحاق. وقيل: سليمان. فالله أعلم. المهم أن بناء بيت المقدس - وهو
المسجد الثالث على وجه الأرض متأخر عن بناء الكعبة. والكعبة المشرفة لم يَسبقها
بيت يُعْبَد الله جل وعلا فيه.
فمساجد
الأنبياء ثلاثة: المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى، ثم المسجد
النبوي. هذا ترتيبها تاريخيًّا، وأما ترتيبها في الفضيلة: فالمسجد الحرام،
ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى.
{وُضِعَ
لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 96] فهو وُضِع
للناس كافة ليس للعرب خاصة، فهو لجميع الخلق الذين يريدون أن يعبدوا الله عز وجل،
لا فرق بين عربي وعجمي وأسود وأبيض، كلهم يَفِدون على هذا البيت للحج والعمرة
والصلاة والطواف والاعتكاف... وغير ذلك.
فهذا
البيت وضعه الله للناس، فلا يجوز لأحد أن يمنع عن هذا البيت مَن جاء ليعبد الله
عند هذا البيت من أي جنس.
ولهذا قال جل وعلا: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۢ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ﴾ [الحج: 25].