×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

ثم بَيَّن سبحانه أنه لا يترك عباده بدون اختبار، فلو تركهم بدون اختبار وابتلاء ما حصلت هذه المصالح، وما تميز المؤمن من المنافق؛ ولهذا قال: {أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ [آل عمران: 142] فلا تدخلون الجنة بدون ابتلاء وبدون امتحان وتمحيص، الجنة ما تُدْرَك إلا بالجهاد في سبيل الله، وبالأعمال الصالحة، وبطاعة الله، والصبر، والاحتساب، ومجاهدة النفس. الجهاد فيه مشقة وفيه خطر، وصلاة الليل فيها تعب، وصيام رمضان فيه تعب، والصلوات الخمس فيها تعب، فالعبادات فيها تعب، وليست برفاهية، وإنما فيها تعب للنفوس وتعب للأبدان.

والجنة محفوفة بالمكاره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. أما النار فهي محفوفة بالشهوات.

يقول ضعيف الإيمان أو المنافق: لماذا الآن المسلمون في ضعف؟! الكفار في رقي وتقدم وحضارة وصناعة وغير ذلك!

ولا يَعلم الحكمة من الله سبحانه وتعالى في هذا، فالله جل وعلا وإن أعطى الكفار ما أعطاهم، فليس ذلك محبة لهم، وإنما أعطاهم إياها زيادةَ عذاب لهم. وأن المسلمين ما زوى الله عنهم ما زوى من النعمة والغنى بغضًا لهم، وإنما هو مِثْل الحِمْية التي يُحْمَى بها المريض؛ لأجل أن يتشافى من آلام هذه الدنيا.

فهو سبحانه وتعالى لا يُجري هذه الأمور محبة للكفار بإعطائهم الدنيا وزهرتها، ولا بغضًا للمسلمين بما يُجري عليهم من الفقر والفاقة والمرض والقتل... وغير ذلك من الشدائد وتسلط الأعداء، ما يُجري هذا عليهم بغضًا لهم، وإنما يُجريه تطهيرًا لهم، وزيادة في درجاتهم، وسببًا للصبر


الشرح