ولكن
العقوبة إذا نزلت فإنها تعم الصالح والطالح {وَٱتَّقُواْ
فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ﴾ [الأنفال: 25].
{مِّنۢ بَعۡدِ
مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ﴾
[آل عمران: 152]، من النصر في أول المعركة.
ثم
قال جل وعلا: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنۡيَا﴾
[آل عمران: 152] فهذا فيه إشارة - والله أعلم - إلى أن الذين نزلوا إنما يريدون
جمع الغنائم. هذا هو الذي حملهم على ذلك.
{وَمِنكُم مَّن
يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۚ﴾ [آل
عمران: 152] يقول عبد الله بن مسعود: ما ظننت أن أحدًا من الصحابة يريد الدنيا حتى
نزلت هذه الآية.
{مِنكُم﴾ [آل عمران: 152] يعني: بعضكم. فصار هذا سببًا للهزيمة.
ولذلك
قال سبحانه: {ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ﴾
[آل عمران: 152]، صرفكم عن قتلهم، وعن الفتك بهم، وشغلكم بأنفسكم. {لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ﴾
[آل عمران: 152] ليختبركم، فيظهر المؤمن
الصادق من المنافق. ولو كان المسلمون دائمًا منتصرين، ما تبين المؤمن الصادق من
المنافق، لكن إذا جاءت الشدائد تبين الصادق من الكاذب.
ثم
إن الله بَشَّرهم فقال: {وَلَقَدۡ عَفَا
عَنكُمۡۗ﴾ [آل عمران: 152] فالذين
حصلت منهم هذه الغلطة عن اجتهاد، فالله جل وعلا قد عفا عنهم، فلم يؤاخذهم. فهذه
النكبة تأديب، وليس إهلاكًا واستئصالاً.
{وَٱللَّهُ ذُو
فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾
[آل عمران: 152]؛ ولذلك عفا عنكم تفضلاً منه.
ثم قال جل وعلا واصفًا حالة المسلمين: {إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ﴾ [آل عمران: 153] لَمَّا حصل ما حصل، فرَّ بعض المسلمين من الموت.