×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

ولا استطاعوا أن يجالسوه، ولا استطاعوا أن يستفيدوا منه؛ لأنه من غير جنسهم.

ولهذا كان جبريل عليه السلام إذا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يأتيه بصورته المَلَكية، وإنما يأتيه على صورة بشر، قال تعالى: {وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا [الأنعام: 9]؛ لأنهم لا يستطيعون مقابلة المَلَك.

فهذا فيه المِنَّة من الله جل وعلا على عباده بذلك.

وأيضًا: كون الرسول صلى الله عليه وسلم بشرًا يدل على أنه ليس له من الألوهية شيء؛ لأن العبادة حق لله جل وعلا. الرسول بشر لا يُعْبَد، إنما العبادة لله عز وجل.

فهذا فيه رَدٌّ على الذين يَغْلُون في الرسول صلى الله عليه وسلم، ويرفعونه فوق منزلة البشرية إلى منزلة الإلهية والربوبية، ويستغيثون به، ويطلبون منه حوائجهم بعد موته صلى الله عليه وسلم، ويظنون أنه ينفع ويضر من دون الله!! وهو صلى الله عليه وسلم بشر، {قُلۡ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا رَشَدٗا [الجن: 21]، {قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ [الأعراف: 188].

الرسول صلى الله عليه وسلم بشر يصيبه المرض، يصيبه الجوع، يصيبه الظمأ، يصيبه التعب، فهو بشر، يصيبه الهم والغم، يصيبه ما يصيب البشر. وليس له من الألوهية، ولا من الربوبية، ولا من التصرف في الكون؛ شيء، ليس له شيء من ذلك، إنما هو رسول من الله، مُبَلِّغ عن الله سبحانه وتعالى.

{يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ [آل عمران: 164] مهمة هذا الرسول أنه يتلو على المؤمنين آيات القرآن الذي أنزله الله عليه، ويُعَلِّمه للناس؛ حتى يحفظوه، وحتى يقرءوه كما أُنْزِل على محمد صلى الله عليه وسلم.


الشرح