×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

{مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ [آل عمران: 195]، كما قال جل وعلا في الآية الأخرى: {مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [النحل: 97]. فالأنثى الصالحة لها أجرها عند الله مثل الرجل، فالرجال والنساء - في الثواب والعقاب - سواء، لا تفاضل بينهم.

ثم قال: {بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ [آل عمران: 195]، أي أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، {وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ [التوبة: 71]، فالمؤمنون جسد واحد، وبنيان واحد، بعضهم من بعض.

{فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ [آل عمران: 195]، من أفضل الأعمال الهجرة، وهي الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام من أجل الفرار بالدين، كما حصل من المهاجرين الذين هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وتركوا أموالهم، وتركوا أولادهم، وتركوا بيوتهم، وخرجوا مهاجرين مع الرسول صلى الله عليه وسلم فرارًا بدينهم. وكذلك الهجرة من غير مكة إلى المدينة.

فالهجرة من بلاد الكفر عمومًا إلى بلاد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة.

وفي الحديث: «لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ([1]). وذلك عند قيام الساعة. فالهجرة باقية لم تُنْسَخ.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ» ([2])، فالمراد: لا هجرة من


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (16906)، وأبو داود رقم (2479)، والدارمي رقم (2555).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (3899).