×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثالث

وهذا كما في قوله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَۗ [الأحزاب: 40]. والخاتم: هو الذي ليس بعده شيء. فهو خاتم الأنبياء، لا يأتي بعده نبي.

ولهذا مَن ادعى النبوة بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وكاذب، كما ادعاها مُسَيْلِمة الكذاب والأسود العَنْسي، وادعاها غيرهما، كما قال صلى الله عليه وسلم: «سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي كَذَّابُونَ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي» ([1])؛ ولذلك أهلكهم الله، ولم يُبْقِ لهم آثارًا، لا مسيلمة ولا العنسي ولا غيرهما.

فنبوة محمد صلى الله عليه وسلم كافية للثقلين: الجن والإنس، ليست البشرية بحاجة إلى نبي غير محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله أكمل له الدين وأتم به النعمة، قال تعالى: {ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ [المائدة: 3]. وهذا الدين صالح لكل زمان ومكان، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كافية لكل زمان ومكان، فليست البشرية بحاجة إلى بعثة نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وليست بحاجة إلى كتاب بعد القرآن، وليست بحاجة إلى شريعة بعد شريعة الإسلام، والحمد لله.

{مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ [آل عمران: 81]، وهكذا الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يُصَدِّق بعضهم بعضًا، يُصَدِّق متأخرُهم متقدمَهم، ويُبشِّر متقدمُهم بمتأخرِهم؛ لأنهم سلسلة واحدة، دينهم واحد وهو التوحيد، وما يأتون به إلى الناس هو من عند الله عز وجل، لا يأتون بشيء من عند أنفسهم، وإنما هم رسل من الله سبحانه وتعالى.


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (22395)، وأبو داود رقم (4252)، والترمذي رقم (2219).