المُقدِّمة
****
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، أكملَ لنا الدِّينَ، وأَتمَّ علينا
النِّعْمةَ، ورَضِيَ لنا الإسلامَ دِينًا، وأمَرَنا بالتَّمَسُّكِ بهِ إلى
المَماتِ، {يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} [آل عمران: 102] .
وَتِلكَ وَصِيَّةُ إبراهيمَ وَيعقُوبَ لِبَنِيهِ: {وَوَصَّىٰ
بِهَآ إِبۡرَٰهِۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ
لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} [البقرة: 132] .
اللَّهُمَّ صَلِّ، وَسلِّمْ، وَبارِكْ عَلَى عَبْدِكَ ورَسُولِكَ نَبِيِّنا
مُحَمَّدٍ وعلى آلهِ وأَصحابِهِ أجمعينَ، وبَعدُ:
فإنَّ اللهَ خَلقَ الجِنَّ والإنسَ لِعبادَتِهِ، كما قال تعالى: {وَمَا
خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
وفي ذلك شَرفُهُم، وعِزُّهُم وسَعادَتُهُم في الدُّنْيا والآخرةِ؛ لأنَّهُم
بحاجةٍ إلى رَبِّهِم، لا غِنًى لهُم عنهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وهو غَنِيٌّ عنهُم
وعَنْ عِبادَتِهِمْ، كما قالَ تعالى: {إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ
غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ} [الزمر: 7] . وقال -تعالى- : {وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن
تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ
حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8] .
والعبادةُ حَقٌّ للهِ عَلَى خلقِهِ، وفائدتُها تعودُ إليهِم، فمَنْ أَبَى
أنْ يعبُدَ اللهَ فهُوَ مُستكبِرٌ، ومَن عَبدَ اللهَ، وعبدَ مَعهُ غَيْرَهُ فهو
مُشرِكٌ، ومَن عبدَ اللهَ وَحْدَهُ بغيرِ ما شَرَعَ فهُوَ مُبتدِعٌ، ومَنْ عبدَ
اللهَ وَحْدَهُ بما شَرعَ فهو المؤمِنُ المُوحِّدُ.
ولمَّا كانَ العبادُ في ضرورةٍ إِلَى العبادةِ، ولا يُمكِنُهم أن يَعرِفُوا بأنفُسِهم حَقِيقتَها الَّتِي تُرضِي اللهَ -سبحانه- وتُوافِقُ دِينَهُ، لم يَكِلْهُم إِلَى