×

 وقدْ وصفَ اللهُ رُسَلَهُ وأنبياءَهُ، بأَنَّهُم يَدْعُونَ رَبَّهُم خوفًا وطمَعًا، وأَنَّهُم يَرْجُونَ رَحمتَهُ، ويخافُون عذابَهُ، وأَنَّهُم يَدعُونَهُ رَغَبًا ورَهَبًا.

قالَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ -يرْحَمَهُ اللَّه- : «وَلِهَذا قدْ وُجِدَ فِي نوعٍ مِنَ المُتأخِّرينَ مَنِ انبسطَ فِي دَعْوَى المَحَبَّةِ؛ حتَّى أَخرجَهُ ذلِكَ إِلَى نوعٍ مِنَ الرُّعُونَةِ والدَّعْوَى الَّتِي تُنافِي العُبُودِيَّةَ»، وقالَ أيضًا: «وَكثِيرٌ مِنَ السَّالِكينَ سَلكُوا فِي دَعْوَى حُبِّ اللهِ أنواعًا مِن الجهلِ بالدِّينِ، إمَّا مِن تَعدِّي حُدودِ اللهِ، وَإمَّا مِن تَضيِيعِ حُقوقِ اللهِ. وإمَّا مِن ادِّعاءِ الدَّعاوَى الباطِلَةِ الَّتِي لا حَقِيقةَ لَها»، وقالَ أيضًا: «والذينَ تَوسَّعُوا مِنَ الشُّيُوخِ فِي سَماعِ القَصائِدِ المُتضَمِّنَةِ للحُبِّ والشَّوْقِ واللَّوْمِ والعَذْلِ والغَرامِ كانَ هذا أَصْلَ مَقْصِدِهِم؛ وَلِهذا أنزلَ اللهُ آيةَ المَحبَّةِ مِحْنَةً يَمتَحِنُ بها المُحِبَّ، فقالَ: {قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ} [آل عمران: 31] فلا يكُونُ مُحِبًّا للهِ إلاَّ مَن يَتَّبِعُ رَسُولَهُ. وطاعةُ الرَّسُولِ ومُتابَعَتُهُ لا تكُونُ إلاَّ بِتَحقيقِ العُبودِيَّةِ. وكَثيرٌ مِمَّنْ يَدَّعِي المَحبَّةَ يَخرُجُ عَن شرِيعتِه وَسُنَّتِهِ صلى الله عليه وسلم وَيَدَّعِي مِنَ الخيالاتِ ما لا يَتَّسِعُ هذا الموضوعُ لِذِكْرِهِ؛ حتَّى يَظُنَّ أحدُهُم سُقوطَ الأَمْرِ وتَحْلِيلَ الحَراِم لَهُ»، وقالَ أيضًا: «وكَثِيرٌ مِنَ الضَّالِّينَ الذينَ اتَّبعُوا أشياءَ مُبتدعةً مِنَ الزُّهْدِ والعبادةِ عَلَى غيرِ عِلْمٍ ولا نُورٍ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ وَقعُوا فيما وقعَ فيه النَّصارَى مِن دَعْوَى المَحبَّةِ للهِ معَ مُخالفَةِ شَرِيعتِهِ، وتَرْكِ المُجاهَدةِ فِي سَبِيلهِ ونَحْوِ ذلك». انتَهى.

فَتبَيَّنَ بذلك أَنَّ الاقتصارَ عَلَى جانبِ المَحبَّة لا يُسمَّى عِبادةً، بلْ قَد يَؤُولُ بِصَاحبِه إِلَى الضَّلالِ بالخُروجِ عَنِ الدِّينِ.


الشرح