فليسَ بكلامٍ تامٍّ، ولا جُملة مُفِيدة، ولا يَتعلَّقُ به إيمانٌ ولا كُفْرٌ ولا أَمْرٌ ولا نَهيٌ، ولم يَذكُرْ أحَدٌ مِن سلَفِ الأُمَّةِ، ولا شرعَ ذلك رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا يُعطِي القلبَ نفَسَهُ معرفةً مُفِيدةً، ولا حالاً نافِعًا، وإنَّما يُعطِيهِ تَصوُّرًا مُطلقًا لا يُحْكَمُ فيهِ بنَفِيٍ ولا إثباتٍ. إِلَى أَنْ قالَ: وقدْ وَقعَ بَعضُ مَن وَاظبَ عَلَى هذا الذِّكْرِ بالاسمِ المُفرَدِ وبـ: «هُو» فِي فُنونٍ مِنَ الإلحادِ وأنواعٍ مِنَ الاتِّحادِ، وما يُذكَرُ عَن بعضِ الشُّيوخِ فِي أَنَّهُ قالَ: أخاف أَنْ أَموتَ بينَ النَّفْيِ والإثباتِ، حالٌ لا يُقتَدَى فيها بَصاحِبِها، فإنَّ فِي ذلك مِن الغَلَطِ ما لا خفاءَ بِه؛ إذْ لو ماتَ العبدُ فِي هذه الحالِ لم يَمُتْ إلاَّ عَلَى ما قَصدَهُ ونَواهُ؛ إذ الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وقد ثبتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بِتَلقِينِ المَيِّتِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ». وقال: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ([1])، ولو كانَ ما ذَكرَهُ مَحظُورًا لم يُلَقَّن المَيِّتُ كَلِمَةً يَخافُ أنْ يَمُوتَ فِي أثنائِها مَوتًا غيرَ مَحمُودٍ. بلْ كانَ ما اختارهُ مِنْ ذِكْرِ الاسمِ المُفردِ، والذِّكْرُ بالاسمِ المُضْمَرِ أبعدُ عَنِ السُّنَّةِ، وأدْخَلُ فِي البدعةِ، وأقربُ إِلَى إضلالِ الشَّيطانِ، فإنَّ مَنْ قالَ: يا هُو يا هُو، أو هُو هُو، ونحوَ ذلكَ لم يَكُن الضميرُ عائدًا إلاَّ إِلَى ما يُصوِّرُهُ قلبُه، والقلبُ قد يَهتَدِي، وقدْ يَضِلُّ - وقدْ صَنَّفَ صاحِبُ الفُصوصِ. كتابًا سَمَّاهُ كِتاب: «الهُو»، وزعمَ بَعضُهم أَنَّ قولَه: {وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ} [آل عمران: 7] مَعناهُ: وما يَعلَمُ تأويلَ هذا الاسمِ الَّذِي هُوَ الهُو، وهذا مِمَّا اتفقَ المسلمونَ بَلِ العقلاءُ عَلَى أَنَّهُ مِن أبْينِ الباطلِ. فقدْ يَظُنُّ هذا مَن يَظُنُّهُ مِن هؤلاءِ. حَتَّى قُلتُ لِبَعضِ مَن قالَ
([1])أخرجه: أبو داود رقم (3116)، وأحمد رقم (22180)، والحاكم رقم (1299).
الصفحة 2 / 27