قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -يرْحَمَهُ اللَّه- : وكثيرٌ مِن النَّاسِ
يغلَطُ فِي هذا الموضعِ؛ فيَظنُّ فِي شخصٍ أَنَّهُ وليٌّ للهِ، ويَظُنُّ أنَّ
وليَّ اللهِ يُقبَلُ مِنه كُلُّ ما يقولُه، ويُسَلَّمُ إليه كُلُّ ما يَقُولُه.
ويُسَلَّمُ إليهِ كُلُّ ما يَفعلُه، وإنْ خالفَ الكتابَ والسُّنَّةَ. فيوافِقُ
ذلكَ الشَّخصَ، ويُخالِفُ ما بعثَ اللهُ به رسولَهُ -الَّذِي فرضَ الله عَلَى
جميعِ الخَلْقِ تَصديقَهُ فيما أَخبرَ وطاعَتَهُ فيما أمَرَ- إِلَى أَنْ قالَ:
وهؤلاءِ مُشابِهُون للنَّصارَى الَّذِينَ قالَ اللهُ فيهم: {ٱتَّخَذُوٓاْ
أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ
مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ
إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} [التوبة: 31] .
وفِي المُسنَد وصَحَّحهُ التِّرمذِيُّ عَن عدِيِّ بن حاتمِ فِي تفسيرِ هذه
الآية، لمَّا سألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنها، فقالَ: ما عَبدُوهم،
فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «أَحَلُّوا
لَهُمُ الْحَرَامَ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلاَلَ، فَأطَاعُوهُمْ. وَكانَتْ
هَذِهِ، عِبادَتَهُمْ إِيَّاهُمْ» ([1])، إِلَى أنْ
قالَ: وَتَجِدُ كثيرًا مِن هؤلاءِ فِي اعتقادِ كَوْنِهِ وليًّا للهِ، أَنَّهُ قدْ
صَدرَ عنهُ مُكاشفَةٌ فِي بعضِ الأُمورِ أو بعضِ التَّصَرُّفاتِ الخارِقَةِ
للعادَةِ، مثل أنْ يُشيرَ إِلَى شخصٍ؛ فَيمُوت أو يَطِير فِي الهواءِ إِلَى مكةَ
أو غيرِها، أو يَمشِي عَلَى الماءِ أحيانًا أو يَملَأ إبريقًا من الهواءِ، أو أنَّ
بعضَ النَّاسِ استغاثَ به، وهو غائبٌ أو مَيِّتٌ فرآهُ قد جاءَهُ فقضَى حاجَتهُ،
أو يُخبِر النَّاسَ بما سُرِقَ لهُم، أو بحالِ غائبٍ لَهُم أو مريضٍ أو نحوِ ذلك.
وليسَ فِي هذه الأمور ما يَدُلُّ عَلَى أنَّ صاحِبَها وَلِيٌّ للهِ.
بل قد اتَّفقَ أولياءُ اللهِ عَلَى أنَّ الرَّجُلَ لو طارَ فِي الهواءِ، أو مشَى عَلَى الماءِ لم يُغْتَرَّ به؛ حتَّى يُنظَرَ مُتابَعتُهُ للرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ومُوافقَتُه لأمْرِهِ ونَهْيِهِ.
([1])أخرجه: الترمذي رقم (3095)، الطبراني في الكبير رقم (218).