عَلَى النفوس؛ حَتَّى أَنَّهُ كان فيهِم مَن لا يَضطَجِعُ، وهؤلاءِ كانتْ
مَقاصِدُهُم حَسنَةً غَيرَ أَنَّهُم عَلَى غيرِ الجَادَّةِ، وفيهِم مَن كانَ
لِقِلَّةِ عِلمِهِ يَعمَلُ بِما يقعُ إِلَيهِ مِنَ الأحاديثِ المَوضُوعةِ، وهو لا يَدرِي،
ثُمَّ جاءَ أقوامٌ، فتكَلَّمُوا لَهُم فِي الجُوعِ والفَقْرِ والوَساوِسِ
والخَطَراتِ، وَصَنَّفُوا فِي ذلِكَ، مِثلَ الحارثِ المُحاسِبِيِّ، وجاءَ آخَرُونَ
فَهذَّبُوا مَذهبَ الصُّوفِيَّةِ وأفرادَهُ بصفاتٍ مَيَّزُوهُ بها مِن الاختصاصِ
بالمَرْقَعةِ والسَّماعِ والوَجْدِ والرَّقْصِ والتَّصفِيقِ، ثُمَّ ما زالَ الأمرُ
يُنَمَّى، والأشياخُ يَضعونَ لَهُم أوضاعًا، ويتكلَّمُونَ بِمواقعاتِهم وبَعُدوا
عَنِ العُلَماءِ، ورأَوا ما هُم فيهِ أو فِي العلومِ؛ حتَّى سَمَّوهُ العِلْمَ
الباطِنَ، وجعلُوا عِلْمَ الشريعةِ العِلْمَ الظَّاهِرَ، ومِنهُم مَن خرجَ به
الجوعُ إِلَى الخيالاتِ الفاسدةِ، فادَّعَى عِشْقَ الحقِّ والهيمانِ فيهِ.
فكأَنَّهُم تَخايَلُوا شَخصًا مُسْتَحْسَنَ الصُّورَةِ فَهامُوا به.
وهؤلاءِ بينَ الكُفْرِ والبِدْعَةِ، ثُمَّ تَشعَّبَتْ بأقوامٍ مِنهم
الطُّرُقُ؛ فَفسدَتْ عقائِدُهُم، فمِن هؤلاء مَن قالَ بالحُلولِ، ومِنهم مَنْ قالَ
بالاتِّحادِ. وما زالَ إبليسُ يَخبِطُهُم بِفُنونِ البِدَعِ؛ حَتَّى جَعلُوا
لأنفسهم سُنَنًا. انتهى.
وسُئِلَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ عنْ قومٍ داومُوا عَلَى الرِّياضَةِ
مَرَّةً، فَرأَوْا أَنَّهُم قَد تَجوهَرُوا، فَقالُوا: لا نُبالِي الآنَ ما
عَلِمنا، وإنَّما الأوامرُ والنَّواهي رُسومُ العَوام، ولو تَجوهَرُوا لسَقَطَتْ
عنهُم، وحاصِلُ النُّبوَّةِ يرجِعُ إِلَى الحِكمَةِ والمَصلحةِ، والمرادُ مِنها
ضبطُ العوام، ولسنا نَحنُ مِنَ العوامِ، فندخلُ فِي حِجْرِ التَّكليفِ؛ لأنَّا قد
تَجوهرنا وعَرَفنا الحِكْمَةَ. فأجابَ: لا رَيبَ عِندَ أهْلِ العِلْم والإيمانِ
أنَّ هذا القولَ مِن أعظَمِ الكُفْرِ وأَغْلَطِهِ، وهو شَرٌّ مِنْ قَوْلِ اليهودِ
والنَّصارَى. فإنَّ اليَهُودِيَّ والنصرانيَّ آمَنَ ببعضِ الكتابِ، وكَفَرَ بِبَعضٍ،
وأولئكَ هُم الكافرونَ