ومَحطُّ البحثِ الآن في الأصلِ الثاني وهو العدلُ، وأما
مُرتكبُ الكبيرةِ فيأتي بعده مباشرة.
فالعدلُ: وهو نفيُ القدرِ عندهم، وهذا غَلِطَ فيه
المعتزلةُ والجبرية، وهما على طرفي نقيض.
فالمعتزلةُ يقولون: إنَّ
العبدَ يستقلُّ بفعلِه وليس للهِ فيه قضاءٌ ولا قدر، وإنما العبدُ هو الذي يستقلُّ
بفعلِه، والأمر أُنُف -يعني مستأنف- لم يُقدَّر ولم يُكتبْ في اللوحِ المحفوظ،
وغُلاتُهم يقولون: ولم يعلمْه اللهُ قبلَ وقوعِه. فينفون العلمَ، وهؤلاء كفّارٌ
بلا شك؛ لأنهم إذا نفوا العلمَ فهم كُفّارٌ.
أما جُمهورُهم فيقولون: اللهُ
يعلمُه ولكنه لم يقدِّرْه، وإنما علمَ أنَّ هذا سيقعُ لكنَّه بدون تقديرٍ منه
سبحانه وتعالى.
وشيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في «الواسطية» يقول: إن الصِّنفَ الأولَ وهم الذين ينفون العلمَ انقرضوا.
أو القائلُ به منهم قليلٌ في وقتِ الشيخ، أما الآخرون فلا يزالون إلى الآن باقون
يقولون: إنّ اللهَ يعلمُه لكن لم يقدِّرْه، وإنما العبدُ هو الذي أحدثَه بدونِ أن
يقدِّرَه اللهُ عليه.
هؤلاء هم القَدَرية، سُمُّوا بالقدريةِ لأنهم يَنفون
القدر، فيُغْلُون في إثباتِ أفعالِ العبادِ ويقولون: هم الذين يُوجِدُونها بدونِ
أن يقدِّرَها اللهُ عليهم.
وأما الجبريةُ: فهم الجهميةُ ومن أخذَ بقولِهم، فهم على النقيض، يُغلُون في إثباتِ القدرِ والمشيئةِ وينفون أفعالَ العباد، ويقولون: العبدُ
الصفحة 2 / 27