مجبورٌ ليس له اختيارٌ في أفعالِه، وإنما
يُحَرَّك كما تُحَرَّكُ الريشةُ في الهواء، أو هو كالميتِ بين يدي الغاسِل
يُقلِّبُه، ليس له اختيار. فهم غَلَوا في إثباتِ القدرِ وإرادةِ اللهِ سبحانه
وتعالى، ونفَوا أفعالَ العباد، واعتبروهم مُجْبَرين على أفعالِهم ليس لهم فيها
اختيارٌ ولا مشيئة، ولذلك سُمُّوا بالجبرية لأنهم يقولون بالجَبر.
أهلُ السُّنةِ والجماعة توسَّطوا -كما هي عادتُهم في كل
أمورِ الدينِ هم وسطٌ فيها- فأثبتوا أن للعبدِ فعلاً ومشيئةً واختيارًا، ولكنه لا
يخرج بذلك عن مشيئةِ اللهِ وإرادتِه، فأثبتوا للعبدِ مشيئةً واختيارًا وإرادةً
وأفعالاً، خلافًا للجبرية، ولكنه لا يخرجُ عن قضاءِ الله وقدرِه، خلافًا للقدرية،
وهذا هو الذي تدلّ عليه الأدلةُ من كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم،
فلولا أن للعبدِ مشيئةً واختيارًا وقدرةً لما عذَّبه اللهُ على أفعالِه، فلو كان
مُجْبَرًا -كما تقوله الجبرية- لم يعذبْه اللهُ على أفعالٍ ليس له فيها اختيار.
ومن أدلّةِ أهلِ السُّنةِ والجماعة قولُه تعالى: ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٩﴾ [التكوير: 28 - 29]، قوله: ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ﴾ دلَّ على أن الإنسانَ يستقيمُ على طاعةِ اللهِ بمشيئتِه لا يُجبر على ذلك، إما أن يستقيمَ وإما أن يَعصي، فهو الذي يؤمنُ وهو الذي يكفر، وهو المؤمنُ، والكافرُ، والفاسقُ، والزاني، والسارق، والشارب، هو نفسه.
الصفحة 1 / 27