الضلال، واتخذ منهم بطانةً وصاروا مِن حولِه؛
كابن أبي دُؤَاد، وبِشْر المريسي، فاستمالوه إلى ضلالِهم وعقيدتِهم، فتأثر بهم،
وزيَّنوا له ترجمةَ الكتبِ الأجنبية، وأنشأ دارًا للترجمة سموها دارَ الحكمة، وهي
دارُ النِّقمة، وترجموا الكتبَ الرُّومية بما فيها من ضلالٍ وشر، فجاءت العقائدُ
الضالةُ من هذا الطريقِ لمَّا تُرجمت هذه الكتب؛ كما ذكر تقيُّ الدينِ رحمه الله
أنه لمَّا تُرجِمتْ الكتبُ الروميةُ زاد الشر.
وفي النهايةِ أقنعوه بالقولِ بخَلْقِ القرآنِ وأنه هو
الحق، فاقتنع بذلك، مسكوا قياده مع قوتِه وصلابته، فأهلُ الشرِّ لا يُتهاون بهم
أبدًا، والواجبُ إبعادُهم عن الساحة، وإلا فإنهم يَدُسُّون شرَّهم، ويضعُفُ معهم
القوي.
فاقتنع المأمون ُبقولِهم، وأراد حمْلَ الناسِ على القولِ
بخَلْقِ القرآنِ والعياذُ بالله، كلامِ اللهِ عز وجل المصدرُ الأولُ للشريعةِ
أرادوا أن يجتثُّوه من الأمَّة، فيقولون: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ وليس هو كلامُ الله.
فاقتنع بهذا الرأي.
ولكن وقفَ الأئمةُ وفي مقدمتِهم الإمامُ أحمدُ رحمه الله،
وقفوا ضدَّ هذه الفكرةِ الضالَة موقفًا حازمًا وأَبَوْا أن يقولوا بخلقِ القرآن،
وعُذِّب منهم من عُذِّب؛ كالإمامِ أحمد، وقُتل منهم من قُتل، ولكنهم صبروا ووقفوا
في وجهِ المعتزلة، فَثَبَّتَ اللهُ بهم الدين، وَثَبَّتَ بهم العقيدةَ الصحيحة،
ودَحَر أهلَ الشرّ.
وتوالى بعد المأمونِ أخوه المعتصمُ بن ُهارونَ الرشيد، ثم الواثقُ بنُ المأمون، أخذوا هذا المنهجَ وأرادوا حملَ الناسِ على القولِ بخَلْقِ القرآن، وكلُّهم عَذَّبوا الإمامَ أحمدَ وضربوه، ولكنه لم يُعطِهم كلمةً