واحدة، بل يقول: القرآنُ كلامُ الله. وإذا قالوا له؛
قال: هاتوا لي من القرآنِ أو من السنَّة دليلاً على قولِكم، فيعودون عليه بالضرب،
ويُغمى عليه رحمه الله، ولكنه أبى، حتى إنه سالتْ دماؤه رحمه الله من الضرب، وغاب
فكرُه من شدةِ الضرب، وصمد إلى أن جاء عصرُ المتوكلِ بنِ هارونَ الرشيد، فَخَلَّصَ
اللهُ به أهلَ السنَّةِ ونصَرَ الحق، وقمَعَ أهل البدع، ثم قُتِلَ المتوكل،
اغتالَه أهلُ الشرّ.
وما زال الأمرُ في ضعفٍ إلى أن جاء آخرُ خلفاءِ بني
العباس واستوزرَ الشيعة، وهم أخبثُ من الجهمية، فاستوزر ابنَ العَلْقَمي، ونصيرَ
الكفرِ الطوسي، فجرُّوا عليه التتارَ المغولَ من المشرقِ الذين غزوا بلادَ
المسلمين واجتاحوها وقتلوا الخليفة، وأخذوا الكتبَ الإسلامية َوألقوها في نهرِ
دجلة، وقتلوا من المسلمين مئاتَ الألوف، واجتاحوا بلادَ المسلمين، وكان المسلمون
يقاومونَهُم في كل بلد، وفي النهاية خذل اللهُ التتارَ، ومنهم من أسلم.
وبقيَ الإسلامُ -ولله الحمد- قويًّا عزيزًا، ويقبض اللهُ له من ينصرُه ويحميه ويدافعُ عنه، ظهر شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في وقت مُدْلَهِمّ، الفِرَق تتجاذبُ الناس: صُوفية، وجَهمية، ومعتزلة، وقُبورية، وشيعة، يعيش العالمُ الإسلامي في أمواجٍ من الفتن، وفي هذه الأثناءِ ظهر شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية، تخرَّج على كتبِ السلفِ الصالحِ النقية، ودَرَس الكتبَ الضالةَ والمنحرفة وعرَف الشُّبَهَ التي بُنيت عليها، وقام يدعو إلى الله عز وجل ويؤلّف الكتب ويُدَرِّس، فنُفي وسُجن، ولكنه لم يُثْنِه ذلك عن الجهاد: الجهادِ بالسيف، فخاض المعاركَ وقاتل بالسيف، والجهادِ بالقلم، والجهادِ باللسان والحجة، حتى قيَّض اللَّهُ له طلابًا حملوا علمَه؛ كابنِ القيّمِ وابنِ