ثم هو مع أمته بين تحريف أهل الكتاب وضلالهم وتغييرهم لدين الله عز وجل،
وللكتب المنزلة، فهذا دليل على أن ما جاء به هو من عند الله.
فقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم وحيدًا في عالم مضطرب، عالم متلاطم يموج بالكفر والضلال والجهل،
ولكن الله أمده بالوحي المنزل، وأمده بالنصر والحماية والتأييد، حتى بلغ رسالة
ربه، وجاهد في الله حق جهاده، حتى ترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ
عنها إلا هالك كما قال صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُكُمْ
عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ
هَالِكٌ» ([1])، وقال: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ
لَنْ تَضِلُّوا بَعْدهما: كِتَابَ الله، وسُنَّتِي» ([2])، فجمع الله بهذا
النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفرقة، وعلم به من الجهالة، وأغنى به من العيلة،
فتح الله به قلوبا غلقا، وأعينا عميا، وأذانا صما، ممن أراد الله له السعادة
واستجاب للحق.
وتجمعت حوله دولة الإسلام من المهاجرين والأنصار، وصار الإسلام يزيد ويقوى، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله، ويجاهد في سبيل الله، ويغزو الكفار بعد دعوتهم إلى الله، يغزو من امتنع عن قبول الحق، فنصره الله على أعدائه، ومن له ولدينه، وأضاء الله به هذا الكون، وهذا الظلام الدامس، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا ٤٥وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا ٤٦﴾ [الأحزاب: 45- 46]، فاجتمعت حوله أمة الإسلام، وخالف من أراد الله وكتب عليه الشقاوة من أهل الكفر والضلال، ولكن الإسلام يقوى ويزيد وينمو،
([1]) أخرجه: ابن ماجه رقم (43)، وأحمد رقم (17142).