فهذه أمور يجب معرفتها والقيام بها؛ لأن المسلمين بحاجة إلى الاجتماع، وإلى
قيام ولاة الأمور، والتعاون معهم خصوصًا في هذا الوقت الذي تعلمون ما يعج فيه من
الفتن، وأن دعاة الضلال ينشرون ضلالهم وشرهم بين المسلمين بكل وسيلة؛ لأجل أن يفسد
الأمر وتضيع المسؤولية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فمن أصول أهل
السنة والجماعة، السمع والطاعة لولاة الأمور، والجهاد معهم، والصلاة خلفهم، ولو
كان عندهم شيء من القصور في دينهم، كان الصحابة يصلون خلف الأمراء؛ وإن كان في
بعضهم شيء من النقص في دينهم؛ جما للكلمة، كل هذا لأجل جمع الكلمة وتجنبا للفتنة،
وتجنبا للشر.
ولما اشتد الأمر والمحنة في زمن الإمام أحمد رحمه الله من بعض الولاة، ليُجْبر الناس على القول بخلق القرآن؛ جاء تلاميذه والعلماء جاءوا إليه وقالوا: يا أبا عبد الله بلغ الأمر ما بلغ ونريد أن تأمرنا بشيء نخرج به من هذه الفتنة، فقال لهم: عليكم بالسمع والطاعة والصبر، وعليكم بالتأني، حتى يستريح مؤمن ويستراح من فاجر؛ مع أنه يضرب ويسجن وهو إمام أهل السنة، ومع هذا صبر وتجلد ونهى عن معصية ولي الأمر والخروج عليه؛ لأن هذا يترتب عليه انفلات الزمام، ويترتب عليه سفك الدماء، واختلال الأمن، ويترتب عليه شرور كثيرة، فارتكاب شر واحد تلافيا لشرور كثيرة، هو الحكمة والواجب، وهو الذي أمرنا الله ورسوله به، ولا يوجد ولي أمر بعد الرسل وبعد الخلفاء الراشدين ليس فيه نقص، ولكن ما يحصل بالسمع والطاعة والصبر عليه من المصالح أعظم مما يحصل من الضرر من ظلم الحاكم الظالم وجور الجائر.