فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم لا يُدْعَى من دون الله، ولا يُطلب منه
شيء من الأمور التي لا يَقدر عليها إلاَّ الله؛ لأنه لم يَملك هذا لعمه أبي طالب
مع حرصه على نفعه، وعاتبه الله عز وجل بقوله: ﴿إِنَّكَ
لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ﴾، وبقوله: ﴿مَا كَانَ
لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ﴾ الآية [التوبة:
113].
فالنبي صلى الله عليه وسلم عليه هداية الدلالة والبيان. أما هداية التوفيق
والقَبول فإنما أمرها بيد الله وحده، هو سبحانه يَهدي من يشاء ويُضل من يشاء، وله
الحكمة البالغة؛ ولهذا قال عز وجل: ﴿وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾، فلا يضع الهداية إلاَّ فيمن يصلح لها، وقال عز وجل: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ
بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾ [النحل: 125]، فمَن
آثر الحق وقَبِله وَفَّقه الله. ومَن أعرض عن الحق وتعصب للباطل أضله الله عقوبةً
له.
فإذا كان هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل الخلق - دل على
أنه لا يُدْعَى من دون الله، ولا يُطلب منه شيء من الأمور التي لا يَقدر عليها
إلاَّ الله، فغيره من باب أَوْلى، من الأولياء والصالحين وأصحاب الأضرحة، مهما
بلغوا من الصلاح ومهما بلغوا من المكانة في الدين، فإنهم لا يُطلب منهم إلاَّ ما
يَقدرون عليه من أمور الدنيا، إذا كانوا على قيد الحياة. أما أمور الهداية وأمور
قضاء الحاجات التي لا يَقدر عليها إلاَّ الله؛ مِن شفاء المرضى وإنزال المطر وجلب
الأرزاق وإعطاء الأولاد، فهذا كله لا يُطلب إلاَّ من الله سبحانه وتعالى، ولا
يُطلب من غير الله، لا من نبي ولا من ولي ولا من أي مخلوق. ومَن طلبه من غير الله
فهو مشرك الشرك الأكبر المُخرج من الملة.