لأن القبر إذا بُنِي عليه بنية أو جُعِل عليه ستائر وزخرف، فإن العوام
والجهال يُفتنون به، ويظنون أنه ما عُمِل به هذا العمل إلاَّ لأن فيه سرًّا، وأنه
محل للعبادة والدعاء وطلب الحاجات - كما هو الواقع -.
ولهذا كان هَدْي الإسلام في القبور أن الميت يُدفن في المقبرة العامة مع
أموات المسلمين، ويُدفن في تراب قبره الذي حُفِر منه، لا يزاد عليه، ويُرفع عن
الأرض قدر شبر من التراب من أجل أن يُعرف أنه قبر فلا يداس ولا يُبْنَى عليه شيء.
هكذا كان قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت قبور الصحابة في عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو هَدْي الإسلام في القبور، لا يُبْنَى عليها بنية، ولا يُكتب عليها،
ولا تزخرف ولا تُجَصَّص؛ لأن هذه الأمور إذا فُعلت صارت وسيلة إلى الشرك.
وقد أَمَر النبي صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المُشْرِفة، فقال لعلي بن
أبي طالب رضي الله عنه: «لاَ تَدَعَ
تِمْثَالاً إلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلاَّ سَوَّيْتَهُ» ([1]) يعني: لا تَدَعْ قبرًا
مرتفعًا إلاَّ هَدَمْتَ ما عليه من البناء، حتى يصبح كسائر القبور، لا يَلفت النظر
ولا يُفتتن به.
فالقبور إذا كانت على الهَدْي الشرعي لا يُفتتن بها. أما إذا بُنِي على بعضها وجُصِّص وزُخْرِف، فإن الناس سينصرفون إليه ولابد.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (969).