وسُموا «مُرجِئة» لأنهم أخرجوا الأعمال عن مسمى
الإيمان، وأخذوا بطرف من النصوص وهو نصوص الوعد، وتركوا الطرف الثاني وهو نصوص
الوعيد، فضَلُّوا كما ضلت الخوارج والمعتزلة.
والحق هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الجمع بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد؛
لأنها كلها من عند الله عز وجل، فيقولون: المعاصي تضر - لا كما تقول المرجئة: «إنها لا تضر» - ولكنها لا تُخْرِج من
الإسلام أو من الإيمان - كما تقوله الخوارج والمعتزلة - بل هي تُنقص الإيمان أو
تزيل الإيمان بالكلية، بحَسَب نوعية هذه المعاصي؛ لأن المعاصي ليست على حد سواء،
لكنها على كل حال ما دامت دون الشرك فإنها لا تُخْرِج من الإيمان.
فكلا الطرفين - الخوارج والمعتزلة والمرجئة - ضالٌّ عن الحق؛ ولهذا قال عز
وجل: ﴿أَفَأَمِنُواْ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ
فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾ هذا طريق المرجئة،
وقال: ﴿وَمَن يَقۡنَطُ مِن
رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾ [الحجر: 56] هذا
طريق الخوارج. فمَن زاد في الخوف حتى قَنِط من رحمة الله ويَئِس من رَوْح الله،
فهو من الخوارج. ومَن تساهل بالذنوب والمعاصي حتى أَمِن مكر الله، فإنه من
المرجئة.
وأما الجمع بين الخوف والرجاء فهو سبيل أهل السنة والجماعة، الذي فيه الجمع
بين النصوص، وتفسير النصوص بعضها ببعض، وتخصيص بعضها ببعض، فإن كلام الله يُفسِّر
بعضه بعضًا، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يُفسِّر بعضه بعضًا، فلابد من الأخذ
به كله.