فهذا باب عظيم، جَمَع فيه الشيخ رحمه الله بين الآيات والنصوص المتقابلة؛
من أجل أن يفسر بعضها ببعض كما هي طريقة أهل السُّنة، فلم يذكر نصوص الوعيد فقط،
ولم يذكر نصوص الوعد فقط، بل جمع بين هذا وهذا. وهذا من فقهه رحمه الله ودقة
فَهْمه وعلمه.
قوله: ﴿أَفَأَمِنُواْ
مَكۡرَ ٱللَّهِۚ﴾ [الأعراف: 99] مكر الله: هو إيصال العقوبة إلى مَن
يستحقها من حيث لا يشعر. وهو عَدْل منه سبحانه وتعالى، والله عز وجل يقول: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ
وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ [آل عمران: 54]، وقال عز وجل: ﴿وَمَكَرُواْ
مَكۡرٗا وَمَكَرۡنَا مَكۡرٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ﴾ [النمل: 50].
فالمكر في حق الله سبحانه وتعالى عدل وجزاء يُحمد عليه. أما المكر من المخلوقين
فهو مذموم؛ لأنه بغير حق.
والمكر من الله نظير الاستهزاء: ﴿ٱللَّهُ
يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ﴾ [البقرة: 15]،
ونظير السخرية: ﴿فَيَسۡخَرُونَ
مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: 79]،
ونظير الكيد: ﴿إِنَّهُمۡ
يَكِيدُونَ كَيۡدٗا ١٥ وَأَكِيدُ كَيۡدٗا ١٦﴾ [الطارق: 15- 16]،
ونظير النسيان: ﴿نَسُواْ ٱللَّهَ
فَنَسِيَهُمۡۚ﴾ [التوبة: 67].
فهذه أمور تُنسب إلى الله عز وجل؛ لأنها من باب المقابلة والجزاء، فهي
عَدْل منه سبحانه وتعالى حيث إنه يُنزِّلها فيمن يستحقها. بخلاف هذه الصفات من
المخلوقين فإنها مذمومة؛ لأنها في غير محلها ولأنها ظُلْم للمخلوقين.
وقوله: ﴿أَفَأَمِنُواْ
مَكۡرَ ٱللَّهِۚ﴾ هذه الآية في سياق ما ذكره الله عن الأمم الكافرة التي
أحل الله بها عقوباته؛ من قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب،
الذين ذكرهم الله في سورة الأعراف.