ثم قال: ﴿وَمَآ
أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّآ أَخَذۡنَآ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَآءِ
وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف: 94]، أي:
أخذناهم بالشدائد من الجوع والخوف والقحط وغلاء الأسعار، يفعل الله ذلك بهم لعلهم
يدعونه، ولعلهم يرجعون إلى الله ويتوبون، ويعلمون أن ما أصابهم بسبب ذنوبهم.
لكنهم لم يرجعوا، ثم لما لم يرجعوا عند النِّقم استدرجهم الله عز وجل
بالنعم، قال عز وجل: ﴿ثُمَّ بَدَّلۡنَا
مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: 95] أي: بدل الشدة والجوع والخوف، بالحسنة،
وهي: الغناء والسَّعة والثروة؛ استدراجًا من الله سبحانه لهم. ﴿حَتَّىٰ عَفَواْ﴾ يعني: حتى كثروا
وزادت قوتهم، واغتروا بهذه النعمة. فهم لم يتوبوا عند النقمة ولم يشكروا عند
النعمة.
قال: ﴿وَّقَالُواْ قَدۡ
مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ﴾ قالوا: هذه الأمور
تجري عادة، مرة رخاء ومرة شدة. لم يُرجعوا الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، ويعلموا
أن ما أصابهم من العقوبات بسبب ذنوبهم، وأن ما أصابهم من النعمة فهو فضل من الله؛
بل نَسبوا هذا إلى العادة.
﴿فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ
وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ﴾ [الأعراف: 95] هذا هو المكر، وهو: أن الله أخذهم في
مأمنهم حيث لم يتوقعوا العقوبة.
وفي هذا تحذير لنا من الله سبحانه وتعالى، أننا لا
نغتر بهذه النعم، وهذه الثروات، وهذه السَّعة؛ فنَغفُل عن شكر الله عز وجل، ولا
نعمل بطاعة الله، ولا نخاف من العقوبة ومن زوال هذه النعم.