فإذا عَرَف المؤمن ذلك هانت عليه المصائب، وذهب عنه التلوم والتحسر، ويعلم
أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وإذا صبر كُتب له الأجر،
وإذا جَزِع كُتِب عليه الإثم، وأن الصبر خير له من الجزع؛ لأن الصبر يُكسبه أجرًا،
والجزع يُكسبه إثمًا، وهو لا يَقْدِر على التخلص من القضاء والقدر مهما كره.
فهذا باب عظيم، وهو تابع للأبواب التي قبله؛ لأن الصبر من أعمال القلوب؛
مثل: التوكل، والمحبة، والرغبة، والرهبة، والخوف، والرجاء، فتظهر آثاره على
الجوارح.
قال رحمه الله: «واعلم أن الصبر
على ثلاثة أقسام: صبر على ما أَمَر الله به، وصبر على ما نَهَى عنه، وصبر على ما
قَدَّره الله من المصائب».
فالأول: صَبْر على ما أَمَر الله به، وإن كان فيه مشقة عليه، وإن كانت نفسه تريد
الراحة؛ فإنه يصبر.
فيقوم للصلوات الخمس، ويقوم لصلاة الفجر، ويقوم لصلاة الليل ويترك النوم.
ويصوم ويترك الطعام والشراب ويترك الأهل؛ طاعة لله سبحانه وتعالى. ويجاهد في سبيل
الله، ويصبر على الجراح وعلى الآلام وعلى ملاقاة الأعداء. ويصبر على طاعة الله
سبحانه وتعالى؛ لأن الطاعة لا بد فيها من نصب.
الثاني: صَبْر على ما نَهَى الله عنه. فيحبس نفسه عن الشهوات المحرمة، وإن كانت
تنازعه وتدعوه إلى الوقوع فيها. وكذلك شياطين الإنس والجن يدعونه ويُرَغِّبونه في
المعاصي ويُحَسِّنون له القبيح، لكنه يمسك نفسه ويحبسها عن محارم الله.