×
شرح كتاب الفتن والحوداث

بَابُ تَحرِيمِ رُجُوعِ المُهَاجِرِ إِلَى اسْتِيطَانِ وَطَنِهِ

****

وَلَه عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه، وقَد قَالَ لَهُ الحَجَّاجُ: ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ؟ تَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ» ([1]).

****

 قَولُه رحمه الله: «بَابُ تَحرِيمِ رُجُوعِ المُهَاجِرِ إِلَى اسْتِيطَانِ وَطَنِهِ»، مَن هَاجَرَ مِن وَطنِه بِدِينِه - فَرّ بِدِينِه مِن وَطنِه - وَطنُهُ مَحلَّ شَرٍّ، فَهَجَرَه، وَسَافرَ إِلَى بَلدٍ أَحسَنَ؛ لِيَتَمسَّكَ بِدينِه، يَبقَى، وَلاَ يَرجِعُ، وَلَو تَحسَّن بَلدُه، لاَ يَرجِعُ إِلَيهِ؛ إِبقَاءً لِلهِجرَةِ.

وَلِذَلِك الصّحابَةُ رضي الله عنهم هَاجَرُوا إِلَى المَدِينةِ فِرَارًا بِالدِّينِ مِن مَكّةَ، لمَّا فُتِحَت مَكّةُ، ودَخَلَت فِي وِلاَيةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَأَسلَمَ أَهلُها، لَم يَرجِعِ الصَّحَابةُ رضي الله عنهم إِلَيهَا مِن أَهلِ الهِجرَةِ، حتَّى تَبقَى لَهم الهِجرَةُ، فمِن تَرَك وَطَنهَ للهِ، وتَرَك شَيئًا للهِ، لاَ يَرجِعُ فِيهِ.

قَولُه رضي الله عنه: «لاَ، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ»؛ البَدوُ يَعنِي: بَدَلُ الحَاضِرةِ؛ يكُونُ مَعَ البَدوِ - مَعَ الأَعرَابِ -، إِذَا احتَاجَ إِلَى هَذَا، مِثلَمَا سَبَقَ أن كَونَهُ يَرعَى غَنمًا فِي الجبَلِ أَفضَلُ مِن أنْ يَبقَى فِي البَلدِ الّذِي فِيه شَرٌّ، فيَفِرّ بِدِينِه مِن البَلدِ الّذِي فِيهِ شَرٌّ، وَلَو يَرعَى الغنَمَ، وَلَو يَعِيشُ وَحدَه، يَتَمَسّكُ بِدِينِه.

****


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (1862).