×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

 وَقَالَ أَيْضًا: وَكَثيرٌ منَ الضَّالِّينَ الَّذينَ اتَّبَعُوا أَشْيَاءَ مُبْتَدَعَةً منَ الزُّهْد وَالعبَادَة عَلَى غَيْر علْمٍ، وَلاَ نُورٍ منَ الكتَاب وَالسُّنَّة، وَقَعُوا فيمَا وَقَعَ فيه النَّصَارَى منْ دَعْوَى المَحَبَّة للَّه مَعَ مُخَالَفَة شَريعَته، وَتَرْك المُجَاهَدَة فِي سَبيله، وَنَحْوَ ذَلكَ. انْتَهَى.

فَتَبَيَّنَ بذَلكَ أَنَّ الاقْتِصَارَ عَلَى جَانِبِ المَحَبَّة لاَ يُسَمَّى عبَادَةً، وَقَدْ يَؤُول بصَاحبه عَلَى الضَّلاَل بالخُرُوج عَنِ الدِّين.

2- الصُّوفيَّةُ فِي الغَالب لاَ يَرْجعُونَ فِي دِينِهمْ وَعبَادَتهمْ إلَى الكتَاب وَالسُّنَّة، وَالاقْتدَاء بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإنَّمَا يَرْجعُونَ إلَى أَذْوَاقهمْ وَمَا يَرْسُمُه لَهُمْ شُيُوخُهُمْ منَ الطُّرُق المُبْتَدَعَة، وَالأَذْكَار وَالأَوْرَاد المُبْتَدَعَة، وَرُبَّمَا يَسْتَدلُّونَ بالحكَايَات وَالمَنَامَات وَالأَحَاديث المَوْضُوعَة لتَصْحيح مَا هُمْ عَلَيْه بَدَلاً مِنَ الاسْتدْلاَل بالكتَاب وَالسُّنَّة، وَهَذَا مَا يَنْبَني عَلَيْه دينُ الصُّوفيَّة.

وَمنَ المَعْلُوم أَنَّ العبَادَةَ لاَ تَكُونُ عبَادَةً صَحيحَةً إلاَّ إذَا كَانَتْ مَبْنيَّةً عَلَى مَا جَاءَ فِي الكتَاب وَالسُّنَّة.

قَالَ شَيْخُ الإسْلاَم ابْنُ تَيْمية: «وَيَتَمَسَّكُونَ - يَعْني: الصُّوفيَّة - فِي الدِّين الَّذي يَتَقَرَّبُونَ به إلَى رَبِّهمْ بنَحْو مَا تَمَسَّكَ به النَّصَارَى منَ الكَلاَم المُتَشَابه وَالحكَايَات الَّتي لاَ يُعْرفُ صِدْق قَائلهَا، وَلَوْ صَدَقَ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا، فَيَجْعَلُونَ مَتْبُوعيهمْ وَشُيُوخَهُمْ شَارعينَ لَهُمْ دِينًا، كَمَا جَعَلَ النَّصَارَى قِسِّيسِيهم وَرُهَبَانُهُمْ شَارعين لَهُمْ دِينًا». انْتَهَى.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَصْدَرهم الَّذي يَرْجعُونَ إلَيْه فِي دِينِهم وَعِبَادَاتهم، وَقَد تَرَكُوا الرُّجُوعَ إلَى الكتَاب وَالسُّنَّة، صَارُوا أَحْزَابًا مُتَفَرِّقينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ [الأنعام: 153].


الشرح