المحاضرة الثامنة
وجوب التحاكم إلى ما أنزل الله وتحريم التحاكم إلى غيره
****
مقدمة
****
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ
للَّه، وَالصَّلاَة وَالسَّلاَم عَلَى رَسُول اللَّهِ، وَآلِهِ وَصَحْبه وَمَن
اهْتَدَى بِهُدَاهُ إلَى يَوْمِ الدِّين.
وَبَعْدُ:
فَقَدْ
خَلَقَ اللَّهُ الإنْسَانَ وَاسْتَخْلَفَهُ فِي الأَرْضِ وَرَكَّبَ فِيهِ
غَرَائزَ، وَجَعَلَهُ مُحْتَاجًا إلَى مَا يَضْمَنُ بَقَاءَهُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ
مِنْ مَطْعَمٍ وَمَشْرَبٍ وَمَسْكَنٍ، وَبَقَاء نَسْلٍ وَغَيْرِ ذَلكَ ممَّا به
يَتَحَقَّقُ بَقَاء النَّوْع الإنْسَانيِّ، وَهُوَ بِحَاجَةٍ إلَى مَنْ يُعِينُهُ
لتَحْقِيقِ هَذِهِ الأُمُور؛ إذْ هُوَ وَحْدَهُ لاَ يَسْتَطيعُ تَحْقيقَهَا،
فَمِنْ ثَمَّ كَانَ الاجْتمَاعُ البَشَريُّ ضَرُوريًّا، كَمَا قِيلَ: «الإنْسَانُ مَدَنيٌّ بالطَّبْع»،
فَتَحْقيقُ هَذِهِ الحَاجيَّات يَحْتَاجُ إلَى تَعَاوُنٍ بَيْنَ بَنِي البَشَر
حَتَّى يَسْتَطيعُوا عِمَارَةَ الأَرْض، وَلِكَيْ يَقُومَ مَنْ هَدَى اللَّهُ
مِنْهُم بتَحْقِيقِ الغَايَة الَّتي خُلِقُوا مِنْ أَجْلهَا، وَهِيَ عِبَادَةُ
اللَّهِ وَحْدَه لاَ شَريكَ لَهُ، وَإذَا تَمَّ هَذَا الاجْتمَاعُ للْبَشَر مَعَ
اخْتلاَفِ نَزَعَاتهم، وَتَبَايُن مُتَطَلَّبَاتهم، فَقَدْ يَحْصُلُ عُدْوَانٌ
مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيَحْتَاجُونَ إلَى وَازِعٍ يَدْفَعُ العُدْوَانَ،
وَيُنْصفُ المَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ، وَهَذَا الوَازعُ هُوَ سُلْطَانٌ من جِنْسِهِم
يَحْتَاجُ فِي تَحْقِيق العَدَالَة بَيْنَهُم إلَى نِظَامٍ شَامِلٍ لمَصَالِحِهم مُتَضَمِّنٍ
لحَلِّ مُشْكلاَتهمْ.
الصفحة 1 / 264