فَصِرَاطُ اللَّه وَاحِدٌ لاَ انْقسَامَ فيه،
وَلاَ اخْتلاَفَ عَلَيْه، وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ تَتَفَرَّقُ
بمَنْ سَلَكَهَا، وَتُبْعدُهُ عَن صِرَاطِ اللَّهِ المُسْتَقيم، وَهَذَا يَنْطَبقُ
عَلَى فِرَقِ الصُّوفيَّة؛ فَإنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ لَهَا طَريقَةٌ خَاصَّةٌ
تَخْتَلفُ عَن طَريقَة الفِرَقِ الأُخْرَى. وَلكُلِّ فِرْقَةٍ شَيْخٌ
يُسَمُّونَهُ: شَيْخَ الطَّريقَة، يَرْسِمُ لَهَا منْهَاجًا يَخْتَلفُ عَن
مِنْهَاج الفِرَقِ الأُخْرَى، وَيَبْتَعدُ بِهِمْ عَن الصِّرَاط المُسْتَقيم،
وَهَذَا الشَّيْخُ الَّذي يُسَمُّونَهُ: شَيْخ الطَّريقَة، يَكُونُ لَهُ مُطْلَقُ
التَّصَرُّف، وَهُم يُنَفِّذُونَ مَا يَقُولُ وَلاَ يَعْتَرضُونَ عَلَيْه بشَيْءٍ،
حَتَّى قَالُوا: المُريدُ مَعَ شَيْخه يَكُونُ كَالمَيِّت مَعَ غَاسلِهِ، وَقَد
يَدَّعي بَعْض هَؤُلاَء الشُّيُوخ أَنَّهُ يَتَلَقَّى مِنَ اللَّهِ مُبَاشَرَةً
مَا يَأْمُرُ به مُرِيدِيه وَأَتْبَاعه.
3-
مِنْ دِينِ الصُّوفيَّة الْتزَام أَذْكَارٍ وَأَوْرَادٍ يَضَعُهَا لَهُم
شُيُوخُهُم، فَيَتَقَيَّدُونَ بهَا، وَيَتَعَبَّدُونَ بتلاَوَتهَا، وَرُبَّمَا
فَضَّلُوا تلاَوَتَهَا عَلَى تِلاَوَة القُرْآن الكَريم، وَيُسمُّونَهَا ذِكْرَ
الخَاصَّة.
وَأَمَّا
الذِّكْرُ الوَاردُ فِي الكتَاب وَالسُّنَّة فَيُسَمُّونَهُ: ذكْرَ العَامَّة.
فَقَوْل: «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»
عنْدَهُم هُوَ ذِكْرُ العَامَّة، وَأَمَّا ذِكْر الخَاصَّة، فَهُوَ الاسْمُ
المُفْرَدُ: اللَّهُ؛ وَذِكْرُ خَاصَّة الخَاصَّة «هُوَ».
قَالَ
شَيْخُ الإسْلاَم ابْنُ تَيْمية: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا -أَيْ: قَوْل «لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ»- ذِكْرُ
العَامَّة، وَأَنَّ ذِكْرَ الخَاصَّة هُوَ الاسْمُ المُفْرَدُ، وَذِكْر خَاصَّة
الخَاصَّة (هُوَ): أَيْ: الاسْم المُضْمَر - فَهُوَ ضَالٌّ مُضلٌّ.
وَاحْتجَاج
بَعْضهم عَلَى ذَلكَ بقَوْله: ﴿قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ
يَلۡعَبُونَ﴾ [الأنعام: 91] مِنْ أَبْيَن
غَلَط هَؤُلاَء، بَل مِنْ تَحْريفهم للْكَلِمِ عَن مَوَاضعِهِ؛ فَإنَّ الاسْمَ «اللَّهَ» مَذْكُور فِي الأَمْر بجَوَاب
الاسْتِفْهَام فِي الآيَة قَبْلَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِۦ
مُوسَىٰ نُورٗا وَهُدٗى لِّلنَّاسِۖ﴾
[الأنعام: 91] إلَى قَوْله: ﴿قُلِ ٱللَّهُۖ﴾
[الأنعام: 91] أَيْ: اللَّهُ هُوَ الَّذي أَنْزَلَ الكِتَابَ الَّذي جَاءَ به
مُوسَى.