هَؤُلاَءِ غَيْرُ مَشْهُورينَ، وَلاَ
مَعْرُوفينَ عنْدَ أَكْثَر النُّسَّاك، وَلأَنَّهُ لَوْ نُسِبَ النُّسَّاكُ إلَى
هَؤُلاَء لَكَانَ هَذَا النَّسَب فِي زَمَن الصَّحَابَة وَالتَّابعينَ
وَتَابِعِيهم أَوْلَى، وَلأَنَّ غَالبَ مَنْ تَكَلَّم باسْم الصُّوفيِّ لاَ
يَعْرفُ هَذِهِ القَبيلَة، وَلاَ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى قَبيلَةٍ فِي
الجَاهليَّة لاَ وُجُودَ لَهَا فِي الإسْلاَم، وَقيلَ - وَهُوَ المَعْرُوفُ -:
إنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى الصُّوف، فَإنَّهُ أَوَّلُ مَا ظَهَرَت الصُّوفيَّةُ فِي
البَصْرَة.
وَأَوَّلُ مَن ابْتَنى دُويرَة الصُّوفيَّة بَعْض
أَصْحَاب عَبْد الوَاحد بْن زَيْد، وَعَبْد الوَاحِدِ منْ أَصْحَاب الحَسَن،
وَكَانَ فِي البَصْرَة منَ المُبَالَغَة فِي الزُّهْد وَالعبَادَة وَالخَوْف
وَنَحْو ذَلكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ أَهْل الأَمْصَار، وَقَدْ رَوَى أَبُو
الشَّيْخ الأَصْبَهَاني بإسْنَاده عَنْ مُحَمَّد بْن سيرينَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ
قَوْمًا يُفَضِّلُونَ لِبَاسَ الصُّوف، فَقَالَ: إنَّ قَوْمًا يَتَخَيَّرُونَ
لبَاسَ الصُّوف يَقُولُونَ: إنَّهُمْ يَتَشَبَّهُونَ بالمَسيح ابْن مَرْيَمَ،
وَهَدْيُ نَبيِّنَا أُحبُّ إلَيْنَا، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ
القُطْنَ وَغَيْرَهُ، أَوْ كَلاَمًا نَحْوًا منْ هَذَا، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ
ذَلكَ: وَهَؤُلاَء نُسِبُوا إلَى اللُّبْسَة الظَّاهرَة، وَهيَ لبَاسُ الصُّوف،
فَقيلَ فِي أَحَدهمْ: صُوفيٌّ، وَلَيْسَ طَرِيقُهُم مُقَيَّدًا بلُبْس الصُّوف،
وَلاَ هُمْ أَوْجَبُوا ذَلكَ، وَلاَ عَلَّقُوا الأَمْرَ به، لَكن أُضِيفُوا إلَيْه
لكَوْنه ظَاهر الحَال».
إلَى أَنْ قَالَ: «فَهَذَا أَصْل التَّصَوُّف، ثُمَّ
إنَّهُ بَعْدَ ذَلكَ تَشَعَّبَ وَتَنَوَّع».
وَكَلاَمُهُ
رحمه الله يُعْطي أَنَّ التَّصَوُّفَ نَشَأَ فِي بلاَد الإسْلاَم عَلَى يَد
عُبَّاد البَصْرَة؛ نَتيجَةً لمُبَالَغَتهمْ فِي الزُّهْد وَالعبَادَة، ثُمَّ
تَطَوَّر بَعْدَ ذَلكَ.
وَالَّذي تَوَصَّلَ إلَيْه بَعْضُ الكُتَّاب العَصْريِّينَ أَنَّ التَّصَوُّفَ تَسَرَّب إلَى بلاَد المُسْلمينَ منَ الدِّيَانَات الأُخْرَى؛ كَالدِّيَانَة الهنْديَّة وَالرَّهْبَانيَّة النَّصْرَانيَّة، وَقَدْ يُسْتَأْنسُ لهَذَا بمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنِ ابْن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ