وَمِنْ خِلاَلِ عَرْض آرَاء هَؤُلاَء الكُتَّاب
المُعَاصرينَ فِي أَصْل الصُّوفيَّة، وَغَيْرهمْ ممَّا لَمْ نَذْكُرْهُ كَثيرُونَ
يَرَوْنَ هَذَا الرَّأْي، يَتَبَيَّنُ أَنَّ الصُّوفيَّةَ دَخيلَةٌ عَلَى
الإسْلاَم، يَظْهَرُ ذَلكَ فِي مُمَارَسَات المُنْتَسبينَ إلَيْهَا، تلْكَ
المُمَارَسَات الغَريبَة عَلَى الإسْلاَم، وَالبَعيدَة عَنْ هَدْيه، وَإنَّمَا
نَعْني بهَذَا المُتَأَخِّرينَ منَ الصُّوفيَّة حَيْثُ كَثُرَتْ وَعَظُمَتْ
شَطَحَاتُهُمْ.
أَمَّا
المُتَقَدِّمُونَ منْهُمْ فَكَانُوا عَلَى جَانبٍ منَ الاعْتدَال؛ كَالفُضَيل بْن
عِيَاض، وَالجُنَيد وَإبْرَاهيم بْن أَدْهَمَ وَغَيْرِهِمْ.
مَوْقفُ الصُّوفيَّة منَ العبَادَة وَالدِّين
****
للصُّوفيَّة
- خُصُوصًا المُتَأَخِّرينَ منْهُمْ - مَنْهَجٌ فِي الدِّين وَالعبَادَة يُخَالفُ
مَنْهَج السَّلَف، وَيَبْتَعدُ كَثيرًا عَن الكتَاب وَالسُّنَّة، فَهُمْ قَدْ
بَنَوْا دينَهُمْ وَعِبَادَتَهُمْ عَلَى رُسُومٍ وَرُمُوزٍ وَاصْطلاَحَاتٍ
اخْتَرَعُوهَا، وَهيَ تَتَلَخَّصُ فيمَا يَلي:
1-
قَصْرُهُم العبَادَة عَلَى المَحَبَّة، فَهُمْ يَبْنُونَ عبَادَتَهُم للَّه عَلَى
جَانِبِ المَحَبَّة، وَيُهْملُونَ الجَوَانبَ الأُخْرَى؛ كَجَانب الخَوْف
وَالرَّجَاء، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا لاَ أَعْبُدُ اللَّهَ طَمَعًا فِي
جَنَّته، وَلاَ خَوْفًا منْ نَاره.
وَلاَ
شَكَّ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّه تَعَالَى هِيَ الأَسَاسُ الَّذي تُبْنى عَلَيْه
العبَادَةُ، وَلَكن العبَادَة لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى المَحَبَّة كَمَا
يَزْعُمُونَ، بَلْ لَهَا جَوَانبُ وَأَنْوَاعٌ كَثيرَةٌ غَيْر المَحَبَّة؛
كَالخَوْف وَالرَّجَاء وَالذُّلِّ وَالخُضُوع وَالدُّعَاء إلَى غَيْر ذَلكَ،
فَهِيَ كَمَا قَالَ شَيْخُ الإسْلاَم ابْنُ تيمية: اسْمٌ جَامعٌ لمَا يُحبُّهُ
اللَّهُ وَيَرْضَاهُ منَ الأَقْوَال وَالأَعْمَال الظَّاهرَة وَالبَاطنَة.