×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

وَحَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَعْصيَةَ وَليِّ الأَمْر إذَا لَم يَأْمُرْ بمَعْصيَةٍ؛ لمَا فِي ذَلكَ من المَفَاسد، وَحَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الخُرُوجَ عَلَى إمَام المُسْلمينَ، وَتَفْريق الكَلمَة، وَأَمَرَ برَدْع مَنْ فَعَل ذَلكَ حَتَّى يَكُفَّ وَيَلْتَزمَ بالطَّاعَة، فَإنْ كَانَ مَنْ يُحَاول شَقَّ عَصَا الطَّاعَة، وَتَفْريق الجَمَاعَة شَخْصًا وَاحدًا، وَجَبَ قَتْلُهُ؛ لقَوْله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآْخَرِ» ([1]) وَإنْ كَانَ مَنْ يُحَاولُ ذَلكَ جَمَاعَةٌ لَهُم شَوْكَةٌ وَمَنَعَةٌ تُهَدِّدُ أَمْنَ المُسْلمينَ، وَتُريدُ تَفْريقَ كَلمَتهم، فَهُمْ بُغَاةٌ ظَلَمَةٌ، وَيَجبُ أَوَّلاً: مُنَاصَحَتُهُم وَإزَالَة الشُّبْهَة الَّتي يَتَعَلَّقُونَ بهَا، فَإنْ لَم يَنْكَفُّوا عَنْ بَغْيهم، وَجَبَ قِتَالُهُم إلَى أَنْ يَرْجِعُوا للطَّاعَة وَلُزُوم الجَمَاعَة؛ لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ ِ [الحجرات: 9]

وَبهَذَا، يَتَبَيَّنُ وُجُوبُ احْتِرَام السُّلْطَة الإسْلاَميَّة، وَوُجُوب مُنَاصَرَتهَا وَمُنَاصَحَتهَا؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُودِهَا مِنَ المَصَالح، وَانْتفَاء المَفَاسد العَظيمَة الَّتي مِنْ أَعْظَمهَا انْعِدَامُ الأَمْن.

وَأَخيرًا: نَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا العَرْض المُوجَز مَا حَقَّقَهُ الإسْلاَمُ مِنْ أَمْنِ المُجْتَمَع حينَ عَجَزَت كُلُّ نُظُم البَشَر وَأَسْلِحَتهم الفَتَّاكَة، وَأَجْهِزَتهم الدَّقيقَة أَنْ تُحَقِّقَ أَقَلَّ القَلِيلِ مِنْ هَذَا الأَمْن الَّذي حَقَّقَهُ الإسْلاَمُ، وَصَدَقَ اللَّهُ العَظيمُ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ [المائدة: 50] ثُمَّ إنَّ هَذَا الأَمْنَ الَّذي حَقَّقَهُ الإسْلاَمُ لاَ يَعْتَمدُ عَلَى العُقُوبَة، وَشدَّة البَطْش بأَصْحَاب الجَرَائم، وَإنَّمَا يَعْتَمدُ عَلَى غَرْس


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (1844).