×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الأول

7- وَلَمَّا كَانَ رَبْطُ البُلْدَان وَالأَقَاليم بَعْضِهَا ببَعْضٍ عَنْ طَرِيقِ المُوَاصَلاَت البَرِّيَّة وَالبَحْريَّة وَالجَوِّيَّة لنَقْل البَضَائع وَتَنَقُّلاَت المُسَافرينَ للتِّجَارَة، وَغَيْرهَا مِنَ الأَغْرَاض الَّتي تَتمُّ بهَا مَصَالحُهُم، لذَلكَ احْتَاجَ المُجْتَمَعُ إلَى تَأْمِينِ السُّبُل برَدْع المُجْرمينَ الَّذينَ يُحَاولُونَ قَطْعَهَا، وَيُرَوِّعُونَ المَارَّةَ، وَلأَجْل ذَلكَ شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَدَّ قُطَّاع الطُّرُق، وَهُم الَّذينَ يَتَعَرَّضُونَ للنَّاس بالسِّلاَح، فَيَغْصبُونَهُم المَالَ مُجَاهرَةً، وَهَذَا الحَدُّ هُوَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بقَوْله: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٣٣إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣٤ [المائدة: 33 - 34].

وَبتَطْبِيقِ هَذِهِ العُقُوبَة عَلَى قُطَّاع الطَّريق تَأْمَنُ السُّبُلُ، وَتَنْتَظمُ المَصَالحُ، وَيَتَوَافَرُ الأَمْنُ فِي البَرِّ وَالبَحْر وَالحَاضِرَةِ وَالبَاديَة، وَتَنْتَظمُ المُوَاصَلاَتُ بَيْنَ البُلْدَان وَالأَقَاليم، وَيَسْهُلُ نَقْلُ البَضَائع وَالتَّبَادُل التِّجَاريِّ ممَّا فِيهِ صَلاَحُ العُمْرَان البَشَريِّ، وَتَوَافر الإنْتَاج؛ وَلهَذَا وَصَفَ اللَّهُ مَنْ يُحَاولَ تَعْطيلَ هَذِهِ المَصَالح بأَنَّهُ مُحَاربٌ للَّهِ وَرَسُولِهِ، وَسَاعٍ فِي الأَرْض بالفَسَاد.

8- وَلَمَّا كَانَ لاَ بُدَّ للْمُسْلمينَ من قِيَادَةٍ تَجْتَمعُ كَلمَتُهُم بهَا، وَتَحُلُّ مُشْكلاَتِهِم، وَتَكُفُّ الظَّالمَ مِنْهُم عَن ظُلْمِهِ، وَتَدْفَعُ العَدُوَّ الخَارجيَّ عَنْهُم، وَتَرْعَى شُئُونَهُم، وَتُنَفِّذُ أَحْكَامَ اللَّه فِيهِم، لَمَّا كَانَ الأَمْرُ كَذَلكَ وَأَكْثَرُ، شَرَع اللَّهُ تَنْصيبَ الإمَامِ وَطَاعَتَهُ بالمَعْرُوف، وَإعَانَته عَلَى الخَيْر، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ [النساء: 59].


الشرح