وَأَنَّى لَهُ ذَلكَ مِنْ كَثْرَةِ الاخْتلاَف
بَيْنَ أَهْله، وَالاضْطرَاب، وَتَعَذُّر الأَدلَّة عَلَيْه، فَهَدَى اللَّهُ
النَّاسَ ببَرَكَةِ نَبيِّه مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَبمَا جَاءَ بِهِ منَ
البَيِّنَات وَالهُدَى، هِدَايَةً جَلَّتْ عَنْ وَصْف الوَاصِفِينَ، وَفَاقَت
مَعْرفَة العَارفينَ حَتَّى حَصَلَ لأُمَّته المُؤْمنينَ عُمُومًا، وَلأُولِي
العِلْمِ مِنْهُم خُصُوصًا من العِلْمِ النَّافع، وَالعَمَل الصَّالح،
وَالأَخْلاَق العَظيمَة، وَالسُّنَن المُسْتَقيمَة، مَا لَو جَمَعْتَ حِكْمَةَ
سَائِرِ الأُمَم عِلْمًا وَعَمَلاً الخَالصَة مِنْ كُلِّ شَوْبٍ إلَى الحِكْمَةِ
الَّتِي بُعِثَ بِهَا لَتَفَاوَتَتَا تَفَاوُتًا يَمْنَعُ قَدْرَ النِّسْبَة
بَيْنَهُمَا، فَللَّه الحَمْدُ كَمَا يُحبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى».
انْتَهَى
كَلاَمُ الشَّيْخ رحمه الله فِي وَصْف حَال الجَاهليَّة، وَهُوَ وَصْفٌ عَامٌّ
لكُلِّ الشُّعُوب، وَإذَا أَرَدْنَا تَفْصيلَهُ، تَطَلَّبَ مِنَّا وَقْتًا
أَوْسَعَ، وَلَكِنْ نَخُصُّ حَالَةَ العَرَب فِي هَذِهِ الحِقْبَةِ التَّاريخيَّة
لجَزيرَة العَرَب؛ لأَنَّهَا المَوْطِنُ الَّذِي ظَهَرَتْ فيه الرِّسَالَةُ
فَنَقُول:
الحالة الدينية في الجاهلية
****
·
حَالَتُهُم
الدِّينيَّةُ:
كَانَت حَالَتُهُم الدِّينيَّةُ مِنْ أَسْوَءِ الحَالاَت وَأَشَدِّهَا اضْطرَابًا، فَكَانُوا يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، وَكَانَ أَقْدَم أَوْثَانِهِمْ: اللاَّت فِي الطَّائِفِ، وَالعُزَّى بِوَادِي نَخْلَة، وَمَنَاة بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدينَة، وَكَانَت لقُرَيْشٍ أَصْنَامٌ فِي جَوْف الكَعْبَة وَحَوْلَهَا، بَلْ كَانَ لأَهْل كُلِّ دَارٍ بمَكَّةَ صَنَمٌ فِي دَارِهِمْ يَعْبُدُونَهُ، وَإذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ سَفَرًا، أَو قَدِمَ منْهُ، تَمَسَّح بِهِ، بَلْ كَانَ الرَّجُلُ إذَا سَافَرَ فَنَزَلَ مَنْزلاً، أَخَذَ أَرْبَعَة أَحْجَارٍ، فَنَظَرَ إلَى أَحْسَنهَا، فَاتَّخَذَهُ رَبًّا، وَجَعَلَ الثَّلاَثَةَ البَاقيَةَ أَثَافـيَّ لقَدْره، وَكَانُوا إذَا لَم يَجدُوا أَحْجَارًا، يَجْمَعُونَ