وقبل هذه الدعوة المباركة كانت البلاد متفرقة، وكان الناس فيها يتبركون
بالأشجار والأحجار، وكان السحرة يعملون عملهم بين الناس، وكان المشعوذون يتجولون
في القرى ويخربون عقائد الناس، وكان الحكم عند القبائل بالعوائد الجاهلية، ولا أحد
يحكم بالشرع، ولا وجود لعقيدة صحيحة، ولا اجتماع، فلما جاء الله بهذا النور وبهذه
الدعوة المباركة توحدت البلاد، واطمأن العباد، وأقيمت الحدود، قام الجهاد، وأمر
بالمعروف، ونُهي من المنكر، وصار المسلمون إخوة، وتحقق كل ذلك ببركة عقد التوحيد
الصالحة الصحيحة.
هذا نموذج قريب، وقبله كان العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم متفرقين متشتتين، ثارات وغارات وقبليات، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى التوحيد، واستجابوا لله ورسوله، توحدوا وصاروا قوة هايلة في الأرض سادت العباد والبلاد، ذكر الله ذلك بقوله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ﴾، بين الله سبحانه وتعالى ما كانت حالتهم عليه قبل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما صارت إليه بعد دعوته صلى الله عليه وسلم واستجابتهم له: ﴿وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164]، كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في ضلال مبين، وكانوا مطمعا للشعوب الأخرى، فارس والروم وكل دولة من دول الكفر كان لها نصيب في جزيرة العرب، فلما جاء الإسلام، ودخل العرب في دين الله، انعكس الأمر فصارت جزيرة العرب تسيطر على العالم، وامتدت الفتوح، وانتشر الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.