كذلك النصيحة تكون منك لهم فيما بينك وبينهم سرا، لا أن تقف على منبر، أو
تجلس أمام شريط؛ وتذكر معايب الولاة وأخطاءهم، فذلك من الخروج عليهم، وفيه إيغار
الصدور عليهم، فإذا حصل أنك أدركت خطأ، وتمكنت من مناصحتهم مشافهة أو مكاتبة، أو
أن توصي من يتصل بهم؛ فإنك يجب عليك ذلك، فذلك من النصيحة لهم، أما أن تذكر معايبهم
وأخطاءهم في مجالس الناس، وفي الندوات والخطب وغير ذلك، فذلك من الغش لهم، ومن
التشهير بهم، وسبب في الخروج عليهم، وسبب أينما في شق عصا الطاعة، وتفريق كلمة
المسلمين، ولا يجدي شيئًا، فالله جل وعلا قال لنبييه ورسوليه: موسى وهارون عليهما
السلام لما أرسلهما إلى فرعون: ﴿فَأۡتِيَاهُ﴾ [طه: 47]، ولم يقل:
قفوا في الشوارع!، أو في الأمكنة !، أو في الحفلات وسبُّوه!؛ بل قال: ﴿فَقُولَا لَهُۥ﴾، أي: لا تذهبوا
لغيره! ﴿قَوۡلٗا لَّيِّنٗا
لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ﴾ [طه: 44].
هذا طريق مناصحة ولي أمر المسلمين، وهذا مع كافر !؛ فكيف مع مسلم؟ والله يقول في كافر يدعي الربوبية: ﴿قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ﴾ [طه: 44]، وربما قال البعض: أنا لا أقدر على الذهاب إليه ولا على تبليغه، إذن لم يكلفك الله ما لا تستطيع، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾ [البقرة: 286]، لكن لا تنشر هذه الأخطاء وتقول: أنا لا أقدر أن أصل إليه !، وقد يقول قائل الكلام فيهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ! فهذا ليس معروفا أصلا بل هو منكر بنفسه، يفسد ولا يصلح.