×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الرابع

 ذلك لما اشكلت هذه الآية على الصحابة رضي الله عنه وقالوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ، فقد ظنوا أن المراد بالظلم هنا: هو ظلم النفس بالمعاصي، وهذا قل من يسلم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ: ﴿يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ [لقمان: 13] » ([1])، فقوله: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ أي يخلطوا توحيدهم بشرك، فأعظم أنواع الظلم الشرك، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، ويفسر بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففسر الله الظلم بالشرك، فدل على أن الأمن والشرك لا يجتمعان؛ ولذلك لم يأمن المشركون في جزيرة العرب على حياتهم حتى أخلصوا العبادة الله عز وجل، فاطمئنوا واستتب لهم الأمن واجتمعت كلمتهم هذا بالنسبة للمؤمنين.

وأما الكفار فقد يستدرجون ﴿لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمٗاۖ [آل عمران: 178]، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ [النور: 55]، ﴿يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ بهذا الشرط، فإذا عبدوا الله عز وجل ولم يشركوا به شيئًا فإنه يتوفر لهم هذا الوعد الكريم، ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ، فهم قد جمعوا بين الأمور: الإيمان والعمل والإخلاص، ﴿لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يجعلهم هم الورثة، والوراثة لهم على هذه الأرض، بدل الذين سبقوهم من المشركين، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وليس أي دين، بل الدين الذي ارتضاه الله عز وجل،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6937).