فهذه مقومات حصول الأمن
للمجتمع، لا بد من المحافظة عليها، ولا بد من دراستها ومعرفتها؛ ولذلك جعل الفقهاء
رحمه الله أبوابا للحدود: باب حد المرتد، باب القصاص، باب حد السارق، باب حد شارب
الخمر، باب حد القاذف، باب حد الزنا، فيردع المجرم، وتبعا لذلك حفظ الأعراض بهذه
الأمور كما حفظ الدماء ويحفظ الأمن؛ حتى يصبح المجتمع أما من كل النواحي.
فهذه هي مقومات الأمن في المجتمع، فإذا فقدت فقد الأمن، كما في قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً﴾ يعني: مكة المشرفة، فقد كان أهل مكة على الشرك، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به وعاندوا، وأبوا أن يتبعوه واخرجوه من مكة مهاجرا إلى المدينة، فعاقبهم الله جل وعلا، وهم يسكنون في مكة، وهم من قريش، أشرف العرب، فعاقبهم الله كما قال تعالى، ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ﴾ [النحل: 112]، أي: بسبب ما كانوا يصنعون، ثم قال: ﴿وَلَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡهُمۡ﴾ [النحل: 113]، أي: من أهل مكة، ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ﴾ [النحل: 113]، فالله لم ينظر إلى شرف النسب ولا إلى شرف المكان، وإنما ينظر إلى الدين والعبادة له سبحانه تعالى، فيحقق لمن قام بذلك الأمن ويوفره له، ليس أمنا في الدنيا فقط، بل أمن في الآخرة أيضا، أمن مستمر، نسأل الله الكريم من فضله، وإذا فقدت هذه المقومات واكتفي من الإسلام بالتسمي فقط وجعل الحكم لغير الإسلام، وعطلت الحدود، ورك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، آذن المجتمع -والعياذ بالله- الهلاك، عاجلاً أو آجلاً.