كذلك لا يغلون في الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يرفعونه فوق منزلته التي أنزله
الله إياها ولا يجعلونه شريكا لله في العبادة، كما يفعله الغلاة والمشركون الذين
يشر كون الرسول مع الله في عبادته ويستغيثون به، ويدعونه عند الشدائد، ويرجون منه
أن يقضي حوائجهم بعد موته صلى الله عليه وسلم وهؤلاء كثير في الناس اليوم.
فأهل السنة والجماعة
لا يغلون في الرسول صلى الله عليه وسلم بل ينزلونه منزلته عملا بقوله صلى الله
عليه وسلم: «لاَ تَطْرُونِي، كَمَا
أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا
عَبْدُ اللهِ، وَرَسُوله» ([1]).
فهو «عبد الله»: وهذا رد على الغلاة، الذين
يرفعونه فوق منزلة العبودية إلى منزلة الألوهية، و«رسوله»: ردا على المفرطين الذين يجحدون حق الرسول صلى الله عليه وسلم
ولا يتبعونه وإنما يتبعون أهواءهم: ﴿فَإِن
لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ
وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ
لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [القصص: 50].
فمنهج أهل السنة والجماعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم يعظمونه، ويوقرونه، ويحترمونه، ويحبونه، ويتبعونه، لكن لا يغلون في حقه صلى الله عليه وسلم كما غلت النصارى في عيسى بن مريم؛ فمنهجهم منهج الوسطية والاعتدال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبخسونه حقه، ولا ينتقصونه ولا يغلون فيه عليه الصلاة والسلام، فهو أفضل الخلق، وسيد ولد آدم، وخاتم النبيين، وله المنزلة العالية التي لا يصل إليها أحد، لكنه عبد لله عز وجل ليس له من الربوبية والإلهية شيء.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3445).