وهؤلاء هم الخوارج،
والمعتزلة، ومن نحى نحوهم من المتعالمين وإن كانوا ليسوا مثلهم، لكن الجهل هو الذي
أوصلهم لمثل هذا، فهم قد لا يقصدون الزيغ، لكن تعالموا وظنوا أنهم علماء، فاخترقوا
هذه القواعد، فظنوا أنه لا يلزمهم قواعد بدعوى أنهم معهم كتاب الله يأخذون منه
مباشرة، من غير أن يرجعوا إلى القواعد، ومن غير أن يرجعوا إلى تفسير مجاهد، ولا
تفسير الشعبي، ولا تفسير ابن عباس ولا حاجة بهم لأهل العلم ولا غيرهم، فهم يظنون
أنهم علماء.
هذا هو طريق الضلال وطريق الزيغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فموقف الزائغين والمتعالمين -والعياد بالله- أنهم يأخذون المتشابه، ولا يردونه إلى المحكم بل يتر كونه، ﴿وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ﴾ [الرعد: 25]، ومما أمر الله به أن يوصل: أن يرد المتشابه إلى المحكم؛ فهم مثل الذي يقول: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ﴾ [الماعون: 4]، ويقول: إن الله يتوعد المصلين! ولا يقرأ الآية التي بعدها: ﴿ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 5]، ويكون قد أخذ بعض آية، وترك بقيتها، أو يكون قد أخذ آية وقطعها عن الآية التي تبينها، ولم يكمل ما بعدها من الآيات، فلا يجوز أن تؤخذ آية، ويترك ما يقيدها، وما يفسرها، لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، ويوضح بعضه بعضًا، مثلاً قد تكون آية في أول القرآن تقيدها آية في آخر القرآن، أو في وسطه، وقد يكون في السنة ما يفسره وما يبينه، ولهذا يحتاج إلى علم وبصيرة، وإلى جلوس إلى أهل العلم الذين قال الله فيهم: ﴿وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ﴾، لأن موقفهم وعلمهم ثابت لا يتزعزع، لأنه مبني على أصول ثابتة.