×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الرابع

 يؤمن به ويسلم له، فإن لم يؤمن ويسلم فهو معاند قد قامت عليه الحجة؛ ولهذا قال الله جل وعلا لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ [الأنعام: 19]، أنذركم به أيها الحاضرون في وقت نزول القرآن وأنذر به من يبلغه هذا القرآن إلى أن تقوم الساعة.

فمن بلغه هذا القرآن فقد قامت عليه الحجة، فإما أن يؤمن، وإما أن لا يؤمن ويكون لا عذر له عند الله سبحانه وتعالى، وفي هذا دليل على أن من بلغه القرآن على وجه يفهمه لو أراد، أنه تقوم عليه الحجة ولا عذر له كما يقول من يقول لأنه يعذر بالجهل من يشرك بالله ويدعو الأموات ويستغيث بهم مع أن القرآن ينهي عن الشرك ودعاء غير الله ويتوعد عليه بأشد الوعيد، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «القرآن على أربعة أنواع: الأول: ما تفهمه العرب من كلامها، الثاني: ما لا يعذر أحد بجهله، الثالث: ما لا يعمله إلا العلماء، الرابع: ما لا يعلمه إلا الله».

فهذا القرآن ليس المقصود منه أن نحفظه، ونرتله، ونترنم به، ونحسن به أصواتنا، ونتباهى بذلك لكن المطلوب أن نتعلمه، وأن نعلمه، وأن نتدبره، وأن نعمل به حتى ننتفع به وليكون حجة لنا عند الله سبحانه وتعالى، وأما من لم يعمل به فإنه يكون حجة عليه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أو عَلَيْكَ» ([1]).

فمن بلغه القرآن قامت عليه الحجة ولا عذر له، فالذين يقولون: لا بد أن تقام عليه الحجة معنى قولهم: إن بلوغ القرآن لا تقوم به الحجة وهذا مخالف لقوله تعالى: ﴿لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ [الأنعام: 19].


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (223).