وهذا القرآن اعتنى به
العلماء عناية تامة، فألفوا التفاسير العظيمة لهذا القرآن وما فيه من الأسرار
والأحكام، ولذلك تنوعت تفاسيرهم ومناهجهم: فمنهم من اتجه إلى ما في القرآن من
الفقه والأحكام الشرعية.
ومنهم من اتجه إلى
ما في القرآن من البلاغة والفصاحة؛ فاستخرج منه علوم البلاغة، وعلوم الفصاحة،
وعلوم اللغة العربية.
ومنهم من اتجه إلى
ما فيه من الأخبار الصادقة: أخبار الأوليين والآخرين فاهتم بقصص القرآن.
ولهذا تنوعت مناهجهم
في التفسير، وكلها تأخذ من هذا القرآن العظيم، وألفوا فنًّا خاصًّا سمَّوه: «أصول التفسير» أو «علوم القرآن»، في كتب مستقلة، وغالبًا ما تُذكر ملخصاتها في مقدمات
التفاسير، وهذا من العناية بكتاب الله عز وجل، وهي نتيجة التدبر لكلام الله
والاهتمام به، وهي تعين على فهم القرآن.
فهذا القرآن لا يشبع منه العلماء، ولا تفنى عجائبه، وما أخذ العلماء منه إلا القليل، وإلا فهو يحتوي على العلوم العظيمة، وكل يؤتيه الله من فهم ما يشاء، ولا يمكن أن يحاط بمعاني القرآن الكريم ومدلولاته، ولكن كل يقوم بالجانب الذي يستطيعه من فهمه هذا القرآن، ويبقى القرآن حجة الله جل وعلا على خلقه إلى أن تقوم الساعة، صالحًا لكل زمان ومكان وكل أمة، وفيه رد على جميع الطوائف وجميع الشبه، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِيرًا﴾ [الفرقان: 33]، ولهذا قال العلماء: لا يستدل مبطل بشيء من هذا القرآن إلا وفي الذي استدل به حجة عليه ورد عليه؛ فهذه قاعدة عظيمة مجربة لمن تأمل.