ومن عجائب هذا القرآن أن الله تكفل بحفظه، على الرغم من كثرة الأعداء
والمناوئين له إلا أنهم لم يستطيعوا أن يغيروا منه حرفا واحدا أو آية أو سورة، على
مَرَّ الأجيال وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ
وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ [الحِجر: 9]، فالله هو الذي تكفل بحفظه؛ لأنه الكتاب
الباقي، والكتاب الحجة على الخلق إلى آخر الدنيا وآخر الأمم.
والكتب السابقة
وَكَلَ الله حفظها إلى الأحبار والرهبان فحرفوها وغيروها وبدلوها، كما حصل منهم في
التوارة والإنجيل، قال تعالى: ﴿بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ
مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ﴾ [المائدة: 44]،
استحفظوا عليه فلم يحفظوه بل غيروه، وبدلوه، وحرفوه، وزادوا، وأنقصوا على حسب
أهوائهم، أما هذا القرآن فإنه محفوظ بحفظ الله غضا طريا كما أنزل على محمد صلى
الله عليه وسلم، وسيبقى؛ لأن الله تكفل بحفظه إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن
عليها، وهذا من رحمتهِ سبحانه وتعالى بعباده، ومن أجل إقامة الحجة المستمرة على
العباد لئلا يقولوا: ﴿مَا جَآءَنَا مِنۢ
بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ﴾ [المائدة: 19].
والقرآن الآن يطبع
منه الكميات الكبيرة وتوزع في العالم، وهو يسجل على الأشرطة وينشر، وهو يقرأ في
الإذاعات ووسائل الإعلام ويبلغ المشارق والمغارب؛ وذلك من آيات الله عز وجل الدالة
على حفظ هذا القرآن وقيام الحجة به على الخلق.
هذا القرآن لا يمل سماعه ولا قراءته، مهما قرئ فإنك إذا سمعته مرةً ثانية -خصوصًا إذا كان ذلك بتلاوةٍ جيدة وبصوتٍ حسن- كأنَّك لم تسمعه من قبل، يتجدد لك فتتجدد اللذة به ولا يمل أبدًا،