ومهما تدبرته فلن تصل إلى نهاية ما فيه من العلوم، ولهذا يقال: ولا تشبع
منه العلماء.
فهو كتاب الله
العظيم الذي ما نزل على البشرية كتاب مثله، وهو بين أيدينا، وقد يسره الله عز وجل
للحفظ والتدبر: ﴿وَلَقَدۡ
يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ﴾ [القمر: 17]، يحفظه
الصغير والكبير، ويحفظه العالم والمبتدئ، فإنه ميسر لكل من أراد حفظه، لا صعوبة
فيه والحمد لله، ويحفظه العربي والعجمي حتى قالوا: ليس في الكتب الإلهية ما يحفظ
سواه.
ومن علوم هذا القرآن
علم المحكم والمتشابه الذي هو موضوع كلمتنا الآن، فقد أخبر الله أن القرآن كله حكم
فقال: ﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ
ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: 1]، وأخبر
الله أنه كله متشابه: ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ
أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا﴾ [الزمر: 23]، وأخبر
أن منه محكم ومنه متشابه: ﴿مِنۡهُ
ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ﴾ [آل عمران: 7].
فما معنى أن كله
محكم، وأن كله متشابه، وأن بعضه مُحكم وبعضه متشابه؟
أما أنه كله مُحكم: فبمعنى أنه
متقنٌ في لفظهِ ومعناه، فهو متقن تمام الإتقان.
وأما أنه كله متشابه: فمعناه أنه يشبه
بعضه بعلها في الحسن واللذة والبلاغة والإتقان والإحكام.
ومعنى أن بعضه محكم وبعضه مُتشابه: أن المحكم هو الواضح المعنى الذي لا يحتاج في تفسيره إلى غيره لأن معناه واضح من لفظه لكل من يقرأه ويحضر قلبه، فالصلاة، والزكاة، والحج، وصلة الأرحام، والبر بالوالدين... إلى غير ذلك، كل ذلك واضح،