كانت الفترة التي بين عيسى
عليه السلام آخر أنبياء بني إسرائيل وبين محمد صلى الله عليه وسلم تزيد على أربعمائة
سنة، أي: تزيد على أربعة قرون، وقد غرقت البشرية في هذه الفترة في الكفر والضياع،
واندراس آثار الرسالة وظهور دعاة السوء، فكانت الفترة التي بين عيسى عليه السلام
وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فترة جاهلية، فأهل الكتاب من اليهود والنصارى
حرفوا الكتب المنزَّلة إليهم التوراة والإنجيل، وأدخلوا فيهما ما ليس منهما، حتى
أصبح الناس -أو كثير من الناس- لا يستفيدون من هذه الكتب الفائدة المطلوبة لأنها
حرفت، وغيرت عن مواضيعها على أيدي المفسدين، وأصحاب الشهوات والرغبات البشرية.
هذا وصف أهل الكتاب الذين هم أهل علم؛ فكيف بالأميين الذين ليسوا أهل كتاب من مشركي العرب ووثنية الأمم الذين ليسوا عندهم كتاب، بل يعتمدون على عاداتهم وتقاليدهم وما شرعه لهم آباءهم وأجدادهم، فهذا يعبد الحجر، وهذا يعبد الشجر، وهذا يعبد الشمس والقمر، وهذا يعبد الكواكب وهذا يعبد التماثيل والصور، ضياع في الديانات، فمنهم أمة ذات ديانة محرفة، وأخرى أمة ضالة لا تهتدي إلى صواب، وغير دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الذي كان باقيا في الحجاز على يد طاغية من طغاة العرب يقال له «عمرو بن لُحَي الخزاعي»، كان ملكا وزعيما على قومه، فذهب إلى الشام للعلاج ورأى الناس هناك يعبدون الأصنام، فاستحسن هذه العبادة، جلب الأصنام إلى أرض الحجاز وانتشرت الأصنام في أرض الجزيرة، وملأت مكة -أم القرى- التي هي بلد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حتى صار على الكعبة المشرفة ثلاثمائة وستين صنمًا، وعلى الصفا والمروة أيضًا: إساف ونايلة، وحول مكة اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى.