×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الرابع

هذه حال العرب في الجاهلية، وهذه حال أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومن الوثنيين المجوس في أرض فارس وأرض العراق الذين يعبدون النار، كل هذا كانت تعج به أرض الجزيرة العربية وتعيش عليه البشرية، على أرض الله الواسعة؛ ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ -عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ- إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ([1])، أي: بقايا قليلة من أهل الكتاب اندرسوا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فالكفر غطى الأرض قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيرت ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في أرض الحجاز، كما غير كتاب الله: التوراة والإنجيل، فكانت البشرية بحاجة إلى بعثة رسول يرد الناس أو يرد من أراد الله الخير إلى طريق الصواب، مما دعا بها إبراهيم الخليل وإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- حينما كانا يبنيان الكعبة المشرفة: ﴿رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ [البقرة: 129]، عرف الخليل وإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- حاجة أهل الحجاز وأهل مكة ومن جاورهم إلى بعثة رسول منهم، يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.

فحينما استفحل الكفر والضلال والإلحاد في الأرض وهذه نتيجة لأفكار وعقولهم ومناهجهم، فلو وكل الله البشر إلى عقولهم لصاروا إلى هذا المستوى، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ [المؤمنون: 71]، ولكن الله برحمته يبعث في كل فترة رسولاً من الرسل يرد البشرية ال صوابها، ويبصرها بالطريق الصحيح، فكان آخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت البشرية آنذاك في أشد الحاجة إليه صلى الله عليه وسلم،


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2865).