ألف بينهم بأي شيء؟ بهذا
الدين، ولا يمكن أن يؤلف بين القلوب إلا هذا الدين لا في أول الزمان، ولا في آخر
الزمان، لا يؤلف بين القلوب إلا الدين الصحيح، والعقيدة الصحيحة الخالصة التي جاءت
بها الرسل، ونزلت بها الكتب.
فلا يمكن أن يجتمع الناس وأن تذهب عنهم الصراعات والخلافات إلا بهذا الدين، كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها»، والذي أصلح أولها هو هذا الدين، والكتاب والسنة، ولا يصلح آخر هذه الأمة، ولا يذهب هذه الأفكار المتصارعة التي على الساحة اليوم إلا الدين الصحيح، والعلم النافع، والفقه في دين الله عز وجل، الذي أصلح الله به بين المهاجرين والأنصار، وأصلح به بين المسلمين في مختلف الأقطار، الذي دخل تحته العرب والعجم، والسود والبيض، والأغنياء والفقراء، الذي أصلح أول هذه الأمة هو الذي يصلح آخرها؛ ولهذا أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف في الأفكار، والمناهج، والمسائل الفقهية، والمعتقدات، ارشدنا صلى الله عليه وسلم إلى الرجوع إلى سنته صلى الله عليه وسلم، والرجوع إلى سنة خلفائه الراشدين المهديين، قال صلى الله عليه وسلم لما طلب منه أصحابه أن يوصيهم كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعِ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا، عرفوا منها أن أجل الرسول صلى الله عليه وسلم قد اقترب، وأنه يودعهم بهذه الموعظة، فقال صلى الله عليه وسلم: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ -وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا-؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا؛