في الصدر الأول القرون
الأربعة الأولى المفضلة كان المسلمون عزيزين، متمسكين بهذا الدين، وكان العلم
الشرعي الصحيح منتشرا بينهم، علم الكتاب والسنة والفقه، وكانت الأمة تعيش عيشة
هنية متمسكة بدينها، آمنة على عقيدتها وكان أهل الضلال مختفين في هذه العصور، فقد
كانوا يخشون من قوة المسلمين فيخفون ضلالهم، وكانت القدرية موجودة في وقت القرون
المفضلة بل في آخر عهد الصحابة، وكذا كانت الجهمية، والشيعة، المعطلة للأسماء
والصفات، كل تلك الفرق كانت موجودة ولكنها كانت تخشى من صولة الحق، وقوة أهل
الإيمان فكانوا يخفون ما في أنفسهم.
فلما انقضى وقت القرون المفضلة دب الشر والاختلاف إلى هذه الأمة، وكذا ظهر الخوارج أيضًا في عهد الصحابة، من بداية قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه والفتن تموج وأشدها فتنة الخوارج الذين يخرجون على ولاة الأمور ويستحلون دماء المسلمين، ويكفرون المسلمين، وهذه أخطر الفرق؛ لأنها فرقة مسلحة، ومندفعة ومجتهدة في العبادة: بقيام الليل وصيام النهار وقراءة القرآن، ولكن ليس عندهم فقه في دين الله، حملهم الغلو على أن يفعلوا ما فعلوا، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم وأمر بقتالهم والقضاء عليهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين الخليفة الرابع امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ونصره الله عليهم فقتل منهم مقتلة عظيمة في النهروان، ولكن بقي شرهم لم ينقطع، فخذلت شوكتهم، وأضعفت قوتهم، ولكن عقيدتهم الباطلة لم تنقطع، بل ظلت باقية وتظهر في كل وقت على المسلمين.