فلما انقضت القرون المفضلة
نشط أهل الشر في شرهم، نشطت القدرية والجهمية والشيعة والصوفية والمبتدعة
والخرافيون وساىر الفرق الضالة، وكذا نشط علماء الكلام، وعلماء المنطق الذين
يستبدلون الاستدلال بالقرآن والسنة بالاستدلال بالقواعد المنطقية وعلم الكلام،
وكذا نشط المعتزلة ومن سار على نهجهم من العقلانيين.
كل هؤلاء نشطوا بعد
القرون المفضلة، ولكن الله جل وعلا يقيض لهذا الدين من يجدده، كما قال صلى الله
عليه وسلم: «إِنَّ الله يَبْعَثُ لِهَذِهِ
الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّد لَهَا دِينَهَا» ([1])، وهذا من رحمته
سبحانه وتعالى، فكان الأئمة والمجددون يجددون هذا الدين، ويميطون عنه ما يعلق به
من هذه الشبهات والمحن الباطلة حتى يبقى غا طرا؛ لأن الله تعهد بحفظه، فقال
سبحانه: ﴿إِنَّا نَحۡنُ
نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾ [الحِجر: 9]، وقال
عليه الصلاة والسلام: «لاَ تَزَالُ
طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ
خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ» ([2])، فقوله: «مَنَ خَذَلَهُمْ» دل على إنه يكون هناك
من يخذلهم، ومن يخالفهم، وهم كثيرون، ولكنهم لا يضرون أهل السنة والجماعة والحمد
لله، ولا يضرون هذا الدين، وإنما يضرون أنفسهم.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدث، كما في الحديث: «وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً»، وقال عن الفرقة الناجية منها هم من كان على: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» ([3])، وفي ذلك حث على التمسك بما
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4293)، والحاكم رقم رقم (8592).