×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الرابع

 وأصلح بينهما وسوى النزاع بينهما، ولم يحتاجا إلى التحاكم، فالإصلاح بين المتخاصمين شيء طيب، وللقاضي قبل الحكم القضائي أن يعرض عليهما الصلح فإن قبلا أصلح بينهما، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخاصم إليه الزبير ورجل من الأنصار في ماء يمشي مع قناة، وكان الزبير هو الأعلى في المكان وكان الأنصاري تحته في المكان، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اِسْقِ يَا زُبَيْرْ ثُمَّ أَرْسَلَ اَلْمَاءُ إِلَى جَارِكَ»، وكان هذا من باب الصلح، ولكنه لم يرق هذا للأنصاري، فتكلم بكلمة سيئة فقال: «أن كان ابن عمتك»، وقد تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم قوله؛ لأنه كان يصبر ويتحمل الأذى، فلما لم يقبل الصلح قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اِسْقِ يَا زُبَيْرْ، ثُمَّ اِحْبِسْ اَلْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى اَلْجُدُرِ» ([1])، فأعطاه الحكم الشرعي، وفي البداية لم يقل: «اِحْبِسْ اَلْمَاءَ»، فلما أبى أن يقبل الصلح فأعطاه الحكم الشرعي وهو أن الأعلى يحبس الماء قدر الكعب وهو مقدار حبسه إلى الجدر، ثم يطلق الماء إلى أخيه، فلما لم يقبل الأنصاري الصلح حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بحقه الكامل، فهذا دليل على أن القاضي يعرض الصلح أولا قبل أن يبين الحكم الشرعي، لأن الصلح مطلوب.

وكذلك ما يذكره الفقهاء في باب الصلح من كتب الفقه، إذا تصالح المدين والدائن، أو تصالح المدعي والمدعى عليه، وهو نوعان:

النوع الأول: الصلح عن إنكار: وهو يدعي على آخر أن له حقًّا عنده، والآخر ينكر هذا، ولا يذكر شيئًا، كان الحكم الشرعي أن يقال للمدعي: البينة، فإذا لم يأت بالبينة يقال للمدعى عليه: الحلف،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (2359)، ومسلم رقم (2357).