وبين المشركين الذين صدوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن أداء العمرة، على الرغم من أن الصحابة
رضي الله عنهم كرهوا هذا الصلح ورأوا أنه غضاضة على المسلمين، ولكن الرسول صلى
الله عليه وسلم قبل هذا الصلح، وجلس له واستقبل رسل الكفار لعقد هذا الصلح، ولما
ضاق الأمر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه من هذا الصلح اشتكى إلى أبي بكر الصديق رضي
الله عنه وقال: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ ونحن على الحق
وهم على الباطل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: «أَيُّهَا
الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَ يَعْصِي
رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ» ([1]).
فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقدم على شيء إلا في صالح المسلمين؛ ولأنه يوحى إليه بذلك من ربه عز وجل، وهذا الصلح قد صارت عواقبه للمسلمين؛ ولذلك سماه الله فتحا مبينا؟ لأنه أزال الكابوس عن المسلمين في مكة حيث كانوا يضايقون ويطاردون ويمنعون من الهجرة، وصاروا طلقاء، من أراد الهجرة فليهاجر ولا يتعرض له أحد، وهاجر من آكابر المشركين بعدما آمنوا ودخلوا في الإسلام، وفي مقدمتهم البطلان: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، اللذان صار لهما الدور الكبير في نصرة الإسلام والجهاد في سبيل الله، وأيضا زال المانع عمن يريد السلام من الكفار بهذا الصلح، وصار الباب مفتوحًا؛ فأسلم كثير من الكفار وقد كانوا من قبل متمنعين بسبب الخوف من هل مكة، فلما جرى الصلح وانفتح الباب لهم دخلوا في الإسلام عن رغبة وطواعية، وهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعرض لهم أحد.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2731).